بغداد 7 أكتوبر 2019 (شينخوا) شكلت التظاهرات الأخيرة التي اندلعت بالعاصمة بغداد ووسط وجنوب العراق تحديا كبيرا وخطيرا لحكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.
واندلعت المظاهرات يوم الثلاثاء الماضي عندما خرج الآلاف من المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع في بغداد للاحتجاج على ارتفاع نسبة البطالة والفساد ونقص الخدمات الأساسية.
وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف وانتشرت إلى محافظات عراقية أخرى عندما هاجم مئات من المحتجين العديد من المباني الحكومية والمكاتب التابعة للأحزاب السياسية الرئيسية.
وكان عبد المهدي قد القى في وقت مبكر من يوم 4 أكتوبر، خطابا متلفزا قال فيه "بعد سنوات من الصراع الطائفي والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الحكومة العراقية ليس لديها حلول "سحرية" لإعادة بناء البنية التحتية والبطالة المرتفعة".
وحث المتظاهرين على التزام الهدوء والالتزام بالقانون، ووعد بتنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك التدابير الرامية إلى زيادة فرص العمل لخريجي الجامعات.
وأمر عبد المهدي فجر يوم 5 أكتوبر الجاري، برفع حظر التجوال المفروض على بغداد والذي استمر لمدة يومين، وعادت حركة المرور في العاصمة، مع تشديد الإجراءات الأمنية وانتشار قوات مكافحة الشغب في جميع أنحاء المدينة، في انتظار مئات المتظاهرين الذين حاولوا مواصلة مسيراتهم لكنهم فشلوا في تشكيل مظاهرات ضخمة بعد اشتباكات مع قوات الأمن.
لكنه لم يكن لخطاب عبد المهدي وإجراءاته الأمنية التأثير القوي على الأرض، حيث استمرت الاحتجاجات.
من جانبه، أصدر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بيانا قال فيه إن الأمم المتحدة "تشعر بالحزن العميق لفقدان الأرواح خلال الاحتجاجات الأخيرة وتناشد جميع الجهات الفاعلة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن العنف".
ويرى خبراء سياسيون عراقيون أن الاحتجاج لا يبدو مرتبطا بمجموعة سياسية، حيث أن هؤلاء الشباب يتسابقون في الصفوف الأولى بسبب الغضب من الفساد المتفشي وارتفاع معدل البطالة وغياب أي حل في الأفق.
وقال المحلل السياسي علي الموسي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "هذه ثورة من الجوع والغضب الوطني، ولا توجد جهة محددة تقود هذه التظاهرات، وهدفها الأساسي هو توفير فرص العمل والخدمات".
وأضاف "هؤلاء الشباب ليس لديهم أمل في مستقبل أفضل وليس لديهم شيء يفقدونه".
وتابع الموسى "إذا ثبت فيما بعد أن هناك ميليشيا أو حزب سياسي أو دولة أجنبية وراء هذه الاحتجاجات، فمن المرجح أن يكون الوضع أسوأ".
وعلى مدار الأعوام الـ 16 الماضية، أخفقت الحكومات العراقية المتعاقبة في التعامل مع مطالب الشعب، وخاصة قضية الفساد والتدخل الخارجي وتوفير الخدمات الأساسية.
ووصف الموسى، الوضع الراهن بأنه " كالرمال المتحركة وضبابي ولهذا لايمكن رسم سيناريو محدد"، معربا عن اندهاشه لاستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين.
ودفع ارتفاع حصيلة الضحايا والإجراءات الحكومية البطيئة، الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، إلى الدعوة لاستقالة الحكومة الحالية وتنظيم انتخابات مبكرة تحت إشراف أممي بسبب ما وصفه بـ"الاستهتار بالدم العراقي" وقد أيد دعوة الصدر كل من حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق، وأسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية السابق.
وقال الصدر "أطلب من الحكومة العراقية أن تستقيل بأكملها وأن تبدأ انتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة".
إلى ذلك، قال الموسى "من الواضح أن خطوة الصدر كانت تهدف إلى تكثيف الضغوط على عبد المهدي، الذي سيكون من المستحيل عليه إجراء إصلاحات ملموسة ترضي المحتجين بسبب التوازنات السياسية المعقدة بين الأحزاب السياسية المتصارعة".
وخلص الموسى إلى أن "هناك رغبة من بعض الأحزاب السياسية في تقديم حكومة عبد المهدي لتكون كبش فداء لتخفيف حدة التوترات بعد الخسائر الكبيرة بين المتظاهرين، كون هذه الكتل السياسية تمتلك السلطة القانونية للإطاحة بالحكومة".
ومع ذلك، يرى الموسى أنه من الصعب استبدال عبد المهدي بسبب تأثير الكتل السياسية الرئيسية وكذلك التأثيرات الإقليمية والدولية في إشارة إلى الولايات المتحدة وإيران.
وقال المحلل السياسي ناظم الجبوري "حتى لو تم استبدال عبد المهدي فلن يتمكن رئيس الوزراء الذي يأتي بعده من تحقيق إصلاحات ضرورية وملموسة لأن العملية السياسية مبنية على تقاسم السلطة بين الطوائف العرقية ما يجعل عملية صنع القرار صعبة بين الكتل السياسية المتناحرة".
وحسب الجبوري، فإن لدى معظم الأحزاب السياسية في البلاد ميليشيات خاصة بها، واكتسبت نفوذها وقوتها عبر سنوات من الحرب الطائفية الدامية في جميع أنحاء البلاد وكانت بعض تلك الأطراف تمول أنشطتها عن طريق الكسب غير المشروع في حين أن معظمها لديها روابط قوية ودعم لا نهاية له من العديد من الدول المجاورة والعالمية.
وعن مستقبل الاحتجاجات في العراق، قال الجبوري "ربما ستتمكن السلطات من كبح أو إيقاف المظاهرات، لكنها لن تكون قادرة على إخماد نار الغضب التي قد تنفجر في وقت لاحق في أي لحظة، ما لم تسرع باتخاذ إجراءات ملموسة تستجيب فيها للمطالب الأساسية والمشروعة للمتظاهرين.
وأعلنت الحكومة العراقية يوم أمس إصدار "حزمة قرارات مهمة" تشمل توزيع رواتب ومنح وأراض سكنية على الفقراء والعاطلين عن العمل، لاحتواء الاحتجاجات في البلاد، وهذا سوف يقلل من حدة التظاهرات وفقا لبعض المراقبين.
وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء سعد معن مساء أمس الأحد، في مؤتمر صحفي "إن 104 عراقيين قتلوا، بينهم ثمانية من أفراد قوات الأمن وأصيب 6107 آخرون بجروح، بينهم 1241 من القوات الأمنية" خلال التظاهرات.