بقلم- سـامى القمحـاوى:
ملاحظة: المقالات المنشورة في الركن الخاص لا تعبر عن رأي صحيفة الشعب اليومية أونلاين وإنما تعبر عن رأي أصحابها
قبل نحو ألفى عام من الآن عرف التجار من الصين والدول الأخرى طريق الحرير، الذى كان يبدأ من مدينة (شيآن) ويربط الصين ببقية الدول، لكن تأثير ذلك الطريق القديم لم يتوقف عند تحقيق المصالح الاقتصادية للتجار الذين يستخدمونه أو للدول التى تطل عليه فقط، حيث إنه مع مرور السنوات ظهر التأثير الثقافى والاجتماعى لهذا الطريق فى حياة شعوب تلك الدول. فقد كان طريق الحرير القديم قناة تواصل بين الشعوب، انتقلت عبرها الثقافات والأديان والعادات من الصين إلى الدول الأخرى والعكس، حيث كتب الرحالة عن مشاهداتهم فى الصين والبلدان الأخرى، وكانت هذه المشاهدات أشبه باستكشاف الفضاء الخارجى، حيث لم يكن هناك وسائل إعلام حديثة تنقل الصورة، وكانت عيونهم بمثابة عدسة الكاميرا، وساهم ما كتبوا فى إثراء خيال القراء وتشويقهم لزيارة هذه البلدان والتعرف إلى شعوبها. كما فضل بعض التجار من الدول المتفاعلة على طريق الحرير البقاء فى الصين، وتزوجوا وكونوا أسرا هنا، وامتزجوا مع الشعب الصينى.
كل هذه الحقائق تؤكد أن مبادرة إحياء طريق الحرير وبناء الحزام الاقتصادى يجب أن تراعى خصوصية الطريق القديم، الذى مكن الدول الواقعة فى آسيا وأوروبا من تبادل السلع والتقنيات والأفراد والأفكار، وأن إعادة هذا النمط من الانفتاح على الآخر يعزز الحوار والتفاعل بين مختلف الحضارات، وهنا تبرز أهمية دور وسائل الإعلام بوصفها إحدى أهم أدوات تشكيل الرأى العام، خصوصا أن مبادرة حزام واحد وطريق واحد، التى طرحها الرئيس الصينى شى جين بينج عام 2013، تهدف فى الأساس إلى تحقيق المنفعة المشتركة للجميع، وهو ما يعنى أن تنعكس فائدة هذه المبادرة على الشعوب.
وفقا لآخر الإحصاءات فإن 60 دولة أعلنت دعمها للمبادرة الصينية لإحياء طريق الحرير القديم وطريق الحرير البحرى للقرن الـ21، ويبلغ عدد سكان هذه الدول 4.4 مليار شخص، أى ما يعادل 63% من عدد سكان العالم، هؤلاء الشعوب تتعدد لغاتهم وأعراقهم ودياناتهم، وتختلف أحوالهم الاقتصادية، لكنهم يحتاجون جميعا إلى التعرف على مبادرة "حزام واحد طريق واحد"، وما يمكن أن تقدمه لهم ولأولادهم من فرص حقيقية لتحسين أوضاعهم.
لقد قضيت العام الماضى (2015) فى الصين، وكنت محظوظا بدراسة كل ما يتعلق بها من تاريخ وثقافة وسياسة، بالإضافة إلى عملى مراسلا لصحيفة الأهرام المصرية، إحدى أقدم وأعرق الصحف فى العالم، وخلال ذلك العام تنقلت كثيرا وزرت معظم المقاطعات الصينية، وكانت المفاجأة بالنسبة لى أننا فى مصر لا نعرف كثيرا عن الصين كمجتمع وثقافة، وكل معلوماتنا كان مصدرها الإعلام الغربى، ربما لبعد المسافات الجغرافية أو لوجود حاجز اللغة وغيرها من الأسباب، التى يجب أن تتغلب وسائل الإعلام عليها، وتقدم الحقائق والأخبار كما هى بدون خلطها بالرأى ووجهة النظر. حقيقى أنه لا يوجد إعلام محايد، لكن يجب أن يوجد إعلام مهنى لا يبدل الحقائق.
هناك بعض الدول الغربية التى تبدى قلقا شديدا من النمو الاقتصادى الكبير الذى حققته الصين، ومن زيادة استثماراتها فى الخارج خصوصا فى إفريقيا، ويرون أن الصين تبنى إمبراطورية جديدة لها هناك، وقد ظهرت كتب وتحليلات فى الصحف الغربية بهذا المعنى، وهناك من المحللين من يرى أن الصين تسعى للهيمنة على الاقتصاد العالمى، وأن مبادرة طريق الحرير أحد أدواتها لتحقيق ذلك الهدف، وقد قابلت أستاذا جامعيا ومفكرا غربيا من أصحاب هذا الرأى فى مؤتمر بإحدى الدول الأوروبية وتفاجأت بأنه قال لى إن "الصين تنتقم من العالم"، وحينما شعر بصدمتى من عبارته حاول أن يوضح وجهة نظره بالقول إن الصين عانت كثيرا من الاحتلال على مدى تاريخها، وتعرضت لحروب جائرة منها حروب الأفيون ومع تقدمها الاقتصادى تسعى للسيطرة على العالم اقتصاديا، لترد للدول الغربية ما ألحقته بها من ظلم فى الماضى، ودلل على وجهة نظره بغزو البضائع الصينية لجميع دول العالم بأسعار لا يمكن لدولة أخرى منافستها.
مثل هذه الآراء، وإن كانت تصدر عن أصوات قليلة، تؤثر سلبا على مستقبل مبادرة حزام واحد طريق واحد، وبالتالى فعلى وسائل الإعلام -وفى مقدمتها الصينية- أن تقدم الحقائق حول المبادرة للشعوب، لتكوين رأى عام مساند لهذا الهدف الكبير، وتفنيد تلك الآراء المشككة، وأعتقد أن هذا الملتقى خطوة على الطريق الصحيح، لإلقاء الضوء على حقيقة المبادرة الصينية، وما يمكن أن تحققه من نتائج ليس على مستوى التبادل التجارى بين الصين والدول الأخرى، ولكن على مستويات أخرى كثيرة، وحسنا فعلت الصين حينما خصصت آلاف المنح الدراسية للطلاب من الدول المطلة على طريق الحرير للدراسة فى الصين، والتعرف على المجتمع الصينى، لكسب التأييد الشعبى لهذه المبادرة.