تقرير- سـامى القمحـاوى:
ملاحظة: المقالات المنشورة في الركن الخاص لا تعبر عن رأي صحيفة الشعب اليومية أونلاين وإنما تعبر عن رأي أصحابها
تشغل منطقة آسيا- المحيط الهادى حيزا كبيرا فى تصريحات مرشحى الرئاسة الأمريكية هيلارى كلينون ودونالد ترامب، وكذلك فى برنامجيهما الانتخابيين، لما لها من أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولوجود توترات فى تلك المنطقة التى تتمركز فيها نسبة كبيرة من القوات الأمريكية فى الخارج.. لكن كيف ترى كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية سباق الانتخابات الأمريكية؟، وماذا تتوقع هذه الدول فى حال فوز أى من المرشحين؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول النتائج المتوقعة للانتخابات الأمريكية، يزيد من أهميتها التأثير الكبير للولايات المتحدة فى مجريات الأحداث بمنطقة آسيا المحيط الهادى، والتوترات التى تشهدها المنطقة منذ سنوات فى ظل الخلافات بين بعض دولها حول السيادة فى البحار المحيطة، وتتباين الزوايا التى ترى منها هذه الدول الانتخابات الأمريكية.
تفهم صينى
"أيا كان من سيصبح رئيسا للولايات المتحدة، لدى الثقة فى استمرار نمو العلاقات الصينية- الأمريكية".. بهذه الكلمات الدبلوماسية علق رئيس مجلس الدولة الصينى لى كه تشيانج على سباق الانتخابات الأمريكية، فى أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة سبتمبر الماضى خلال حفل عشاء نظمته جماعات من رجال الأعمال والاقتصاديين الأمريكيين فى نيويورك، وتمثل هذه العبارة الموقف الرسمى للصين، التى عادة ما يتجنب مسئولوها الحديث فى أية موضوعات تخص دولا أخرى ويمكن تفسير تعليقاتهم عليها بأنها تدخلا فى الشئون الداخلية لتلك الدول.
وفى حوار خاص خلال لقاء جمعنى مؤخرا مع مدير إحدى الإدارات بالخارجية الصينية سألته عن مستقبل العلاقات الصينية- الأمريكية فى حالة فوز دونالد ترامب وكيف تتابع بكين ما يجرى خلال سباق الرئاسة الأمريكية، خصوصا أن الصين من أكثر الدول التى ترد فى تصريحات المرشحين؟.. فقال المسئول الصينى إنه لا يعتقد أن تلك العلاقات ستتأثر كثيرا فى حال فوز أى من المرشحين، لأن العلاقات بينهما استراتيجية تقوم على أساس المصالح المشتركة لكلا الجانبين، ولن يكون من السهل أن يضحى أى طرف بتكل المصالح.
وأضاف المسئول الصينى -الذى فضل عدم ذكر اسمه- أن بلاده تتفهم أن التصريحات التى يطلقها المرشحين الأمريكيين خلال حملاتهم الانتخابية عادة ما تكون بهدف جمع الأصوات، وليست دائما معبرة بشكل حقيقى عن توجهاتهم الحقيقية، وأشار إلى أن الصين لا تبنى توجهاتها على تصريحات تفرضها ظروف الانتخابات لأنها دولة كبيرة وعلاقاتها الدولية مدروسة، وأنها ستتعامل مع الرئيس الأمريكى القادم أيا من يكون بناء على هذه الحقيقة.
هذا الموقف الرسمى الصينى المتحفظ فى التعليق على مسار سباق الانتخابات الأمريكية يقابله موقف أكثر انفتاحا من الإعلام الصينى ومن الباحثين الصينيين المتخصصين فى الشأن الأمريكى، فالإعلام الصينى دائما ما يذكر بأن هيلارى كلينتون كانت أحد المحركين الرئيسيين لاستراتيجية آسيا والمحيط الهادى التى تتبعها أمريكا وزادت من حجم التوترات فى المنطقة خصوصا حول قضية بحر الصين الجنوبى، كما يتابع الإعلام الصينى تصريحات دونالد ترامب التى يهاجم فيها الصين، واعتراضه على الاتفاقية الدولية التي عقدها بيل كلينتون عام 2000 مع الصين، والتى تقضى بانضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، معتبرا أنها عادت بالنفع على الصين فقط، ومطالباته بعودة الشركات الأمريكية المستثمرة فى الصين للولايات المتحدة لتوفير الوظائف، وعلى رأسها عملاق التكنولوجيا "آبل".
وتوقع تقرير الأبحاث الأمريكية لعام 2016، الذى أصدره معهد الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية فى مايو الماضى، أن الرئيس الأمريكى الجديد سواء كان من الحزب الديمقراطى أو الجمهورى سيعرض القوة فى السياسات اتجاه الصين، ووأشار التقرير إلى أنه من المحتمل أن تواصل العلاقات الصينيةـ الأمريكية الاتجاه التقليدى فى فترة ولاية الرئيس الأمريكى الجديد، حيث تبدأ بالتبريد ثم التسخين، وربما تذهب ألى أبعد من التبريد هذه المرة، مما يعنى أيضا، أن العلاقات الصينيةـ الأمريكية ستواجه اختبارا قاسيا وصعبا بعد وصول الحكومة الأمريكية الجديدة للسلطة عام 2017.
وخلال المؤتمر الصحفى لعرض هذا التقرير قال دياو دا مينج، الباحث فى الشئون الأمريكية، إن "الحكومة الصينية عليها أن تستعد جيدا لمواجهة ما قد يتعرض إليه النمودج الجديد للعلاقات بين الصين وأمريكا كالدول الكبرى على المدى الطويل، والذى قد يصل إلى مستوى معقد ومتكرر."
قلق يابانى
على الرغم من تصريحات يوشيهايد سوجا، كبير أمناء مجلس الوزراء اليابانى، التى أكد فيها أن انتخابات الرئاسة الأمريكية لن تؤثر على علاقاتطوكيو مع واشنطن، مشيرا إلى أنه بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل للولايات المتحدة فإن التحالف اليابانى- الأمريكى سيبقى حجر الأساس للدبلوماسية اليابانية، فإن هناك قلقا يابانيا من احتمال فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، فاليابانيون يعتبرون هيلارى كلينتون الأفضل لهم لأنهم يعرفونها ويعرفون فريقها الاستشارى الخاص بالسياسة الخارجية، كما أن موقفها واضح من حيث الأهمية الحيوية للتحالف بين اليابان والولايات المتحدة للمصالح الأمريكية، مع معرفتها واسعة النطاق بالسياسة الخارجية وتفاصيلها، من خلال خبرتها الطويلة كعضو في لجنة خدمات القوات المسلحة فى الكونجرس وتوليها منصب وزير الخارجية الأمريكية.
فى المقابل ينتقد دونالد ترامب هذا التحالف، وقد شن هجوما كبيرا على اليابان فى عدد من مقابلاته الإعلامية، حيث قال فى مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" إنه يأمل فى سحب القوات الأمريكية من اليابان فى حال لم تستطع الدولة الآسيوية تغطية حصة أكبر بكثير من تكاليف سكن القوات وإطعامها، وأضاف ترامب أنه منفتح على السماح لليابان وكوريا الجنوبية ببناء ترسانتهما النووية الخاصة، وهو ما رد عليه كبير أمناء مجلس الوزراء اليابانى بأن الحكومة اليابانية ستتمسك بالمبادئ غير النووية الثلاثة المتمثلة فى عدم إنتاج أو امتلاك أو دخول أسلحة نووية إلى اليابان كسياسة أساسية لها.
يذكر أن اتفاقية الاستسلام بين الولايات المتحدة واليابان، والتى وقعها الإمبراطور السابق بعد استخدام الجيش الأمريكى القنابل الذرية ضد المدنيين، ألزمت اليابان بتقليل حجم الجيش واستضافة عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين وأسلحتهم على أراضيها، ويوجد حاليا نحو 47 ألف جندى أمريكى فى اليابان.
ولم يتوقف هجوم ترامب على اليابان عند المجال العسكرى والإنفاق على القوات، حيث اقترح فرض جمارك مرتفعة جدا على السيارات اليابانية التى تباع فى الولايات المتحدة، على الرغم من أن معظمها يتم تصنيعه محليا بأيدى عمال أمريكيين.
مخاوف كورية جنوبية
فى كوريا الجنوبية، وعلى الرغم من التصريحات الرسمية بأن العلاقات مع أمريكا لن تتأثر بمن يفوز فى الانتخابات، إلا أن الواقع يشير إلى مخاوف حقيقية من فوز ترامب، فالبلد الآسيوى، الذى حقق ازدهارا كبيرا بفضل ضمانات الأمن الأمريكية وسياسة التجارة الحرة مع واشنطن، ربما يمنى بخسائر كبيرة فى حال فوز ترامب، خصوصا أنه يطالب كوريا الجنوبية واليابان بتسليح نفسيهما بالأسلحة النووية لمواجهة تهديد كوريا الشمالية.
وفيما يرى المحللون أن ترامب ربما لن يصل فى حال فوزه بالرئاسة إلى سحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية، لكنه من المحتمل أن يطلب ثمنا باهظا لبقاء هذه القوات، وهذا قد لا يعنى فقط مجرد مضاعفة تكاليف استضافة القوات الأمريكية فى كوريا الجنوبية، والتى تبلغ حاليا 850 مليون دولار سنويا، وتمثل نصف تكاليف وجود القوات الأمريكية وتتحمله الخزانة الكورية الجنوبية، وإنما قد يجبر كوريا الجنوبية على تحمل جزءا كبيرا من تكاليف عملية إحلال وتجديد القدرات القتالية للقوات الأمريكية فى كوريا الجنوبية، وهى تكاليف كبيرة جدا.
وفى الوقت الذى يرى فيه ترامب ضرورة الضغط على الصين للسيطرة على كوريا الشمالية، فإن هيلارى كلينتون تتحدث عن خطوات رادعة لبيونج يانج منها فرض المزيد من العقوبات الدولية عليها، وتسليح كوريا الجنوبية واليابان ومدها بأسلحة نووية لحمايتها.
المخاوف الكورية الجنوبية من فوز ترامب تمتد أيضا إلى المجال الاقتصادى، حيث هدد ترامب بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين واشنطن وسول، لكنه حتى إذا لم يفعل ذلك فعلى الأقل سيحاول إعادة التفاوض على شروط هذه الاتفاقية حتى يضمن إنهاء ميل الميزان التجارى لصالح كوريا الجنوبية، وقد تعهد ترامب بفرض رسوم بنسبة 45% على واردات الولايات المتحدة من الصين والمكسيك، وبنسبة 20% على الواردات من كل الدول الأخرى.