إدعت واشنطن بأن الزيارة التي قام بها الرئيس الامريكي باراك أوباما الى السعودية والتي ربما تكون الاخيرة له قبل انتهاء فترة ولايته ستعزز " بناء التحالف"، لكن الواقع أن الزيارة لم تقضي على الخلافات بين البلدين، ولم تحرز أي تقدم في القضايا الجوهرية. وقد تكون الزيارة نقطة تحول في العلاقات الثنائية، ودخول العلاقات الثنائية مرحلة جديدة من المواجهة والشك المتبادل.
أولا، ظهور شقوق في أساس التحالف الثنائي
وصل الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت وملك السعودية عبد العزيز آل سعود عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية الى تفاهم ضمني بينهما، بحيث تضمن أمريكا أمن وسيادة وسلامة أراضي المملكة، في حين أن تضمن الاخيرة فتح سوق استخراج النفط امام الشركات النفطية الامريكية، ليكون حجر الزاوية فى العلاقات الثنائية. ومع ذلك، فإنه بعد 70 عاما واستجابة للتغيرات العميقة في النظام العالمي، قرر باراك أوباما بعد توليه الحكم تحويل مركز ثقل الإستراتيجية الأمريكية شرقا، وتركيز قواتها الرئيسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ورفض المشاركة في دوامة الشرق الاوسط مرة أخرى. بالاضافة الى ذلك، تبدلت الظروف الآن بعد ما نجحت أمريكا في ثورة النفط الصخري الزيتي، ليس في توفير الاكتفاء الذاتي في النفط فقط، ولكن نجحت في تصدير بعضه أيضا. ومن الواضح أن توفير الأمن مقابل الحصول على سوق النفط أساس التحالف بين أمريكا والسعودية لم يعد موجودا، مما يجعل البلدين بحاجة الى خلق أساس تحالف جديد .
ثانيا، موقف أمريكا تجاه القضية النووية الايرانية يضر بمصالح السعودية
عملت أمريكا على تحقيق اعادة التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط من خلال حل القضية النووية الايرانية على حساب المصالح السعودية. وبدأ حادث "9 • 11" يدق ناقوس الخطر في السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط. وتواجه أمريكا معارضات وضعوطات اسرائيلية والسعودية، لكنها تصر على أن تحل القضية النووية الايرانية من خلال المفاوضات بهدف تحقيق اعادة التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط، ومن أجل الحفاظ على مركزها المهيمن في الشرق الاوسط. وتعتقد السعودية أن السياسة الامريكية في الشرق الاوسط باتت لصالح ايران وتضر بمصالح المملكة.
ثالثا، التركيز الاستراتيجي للبلدين تجاه الشرق الاوسط مختلف
في مواجهة الأوضاع المعقّدة والفوضى السائدة في الشرق الأوسط، دعت أمريكا إلى إيلاء الأولوية حاليا في توحيد جميع القوى لمحاربة العدو المشترك للبشرية وهو تنظيم "الدولة الإسلامية". فيما ترى السعودية ان ايران آفة والاتفاق النووي الايراني سيجعل القوى الشيعية التي تقودهم ايران تنمو بشكل متزايد ما يهدد مصالح السنة، وتشكل تهيدا على هيمنة السعودية على العالم الاسلامي. وأن محاولة السعودية تنفيذ سياسة العزل والاحتواء على ايران يهدف الى التخلص منها بسرعة.
رابعا، السياسة الامريكية السعودية تجاه ايران مختلفة تماما
تختلف السياسة الامريكية عن سياسة الحرب العمياء السعودية ضد ايران، بالاضافة الى أن أمريكا تتخذ فكرة ازدواجية المسار، يجمع فيها الحوار وتحذير ايران في الوقت الواحد، وتظن امريكا أن ايران شريكا في محاربة تنظيم " الدولة الاسلامية". والسعودية غير راضية على عدم مبالات امريكا بالتوسع الايراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
خامسا، العلاقات الامريكية ـ السعودية في أزمة ثقة خطيرة
يبدو أن موقف أوباما تجاه السعودية لم يتغير منذ أن كان عضوا في مجلس الشيوخ الامريكي، فقد انتقد السعودية الحليف الامريكي في الشرق الاوسط في خطابه الشهير عام 2002. ولم يغير أوباما هذه الفكرة طيلة الولايتين الرئاسيتين، كما سلط الضوء على ذلك في مقابلة أجراها مؤخرا مع مجلة "الأطلسي الشهرية". حيث تسائل عن "دور حلفاء أمريكا من العرب السنة في التحريض على الإرهاب المناهض لامريكا"، و"انه مستاء من السياسة الخارجية الامريكية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف". وناشد أوباما السعودية وايران عدوتها القديمة "اقتسام الشرق الاوسط"، ووقف الحرب بالوكالة في العراق وسوريا واليمن. وقد أثر موقف أوباما المتعمد كثيرا على العلاقات الامريكية ـ السعودية، وفقدت الاخيرة الثقة التامة في ادارة أوباما.
وإن عدم استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس الأمريكي باراك أوباما، في مطار الرياض، وعدم بث التلفزيون لمراسيم الاستقبال على الهواء مباشرة دليل على استياء السعودية الواضح من أمريكا. بالطبع، أن زيارة أوباما الى السعودية لن تقضي على التحالف، حيث أن الجانبين لا يزالا بحاجة الى بعضهما بعض في مجال الامني العسكري (بما في ذلك مبيعات الأسلحة)، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وهلم جرا، بالرغم من أن العلاقات الثنائية بين البلدين بلغت القاع. كما ستظل العلاقات حلفاء، الا أن مثل هذه العلاقات تكسوها الوان متعددة من الشك والخلافات السرية. ومن هذا المنظور فإن زيارة أوباما الى السعودية هي " تاريخية".