بقلم ندى تشن
بكين 20 إبريل 2016 / من المرتقب أن يقوم الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم (الأربعاء) بزيارة للمملكة العربية السعودية. ويقرأ المجتمع الدولي هذه الزيارة باعتبارها مسعى آخر من أوباما لبث الدفء في الصداقة الفاترة الحالية مع دول الخليج الحليفة وخاصة السعودية، ولكنه لا يعلق آمالا كبيرة على أنها ستؤتي ثمارا حقيقية في ظل مناخ العلاقات الذي شابه التوتر مؤخرا.
-- مشروع قانون يضع الصداقة الهشة على المحك
تأتي هذه الزيارة وسط ضجيج أثارته تقارير نشرت في وسائل الإعلام الأمريكية مؤخرا وتفيد بأن السعودية هددت ببيع أصول أمريكية بقيمة 750 مليار دولار إذا ما أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يمكن أن يحمل المملكة المسؤولية أمام المحاكم الأمريكية عن أي دور في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ويعرب المحللون عن تشككهم في أن السعودية ستمضى قدما في هذه الإجراءات ويرون أن التحذير الصادر عنها لا يتعدى كونه مجرد تهديد لأن تداعياته المحتملة ستكون واسعة وسيفضى على الأرجح إلى إلحاق ضرر شديد باقتصاد المملكة ذاتها، ولكنه يؤشر بوضوح على حالة التوتر الشديدة في العلاقات بين واشنطن والرياض.
وأشاروا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي باشر الأعمال التحضيرية لهذه الزيارة، دعا الجميع إلى بذل جهود لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية في المنطقة، لكن الحقيقة المؤسفة على الأرض تكمن في أن الأسس المشتركة التي ترتكز عليها العلاقات بين الدولتين باتت واهنة، فالولايات المتحدة والسعودية التي كانتا شريكتين يوم ما في السراء والضراء، صار لديهما الآن أولويات واهتمامات مختلفة تماما.
وشرح المحللون قائلين إن السعودية مازالت بحاجة إلى مواصلة صداقتها القديمة مع واشنطن دفاعا عن مصالحها في المنطقة في الوقت الذي تتصدر فيه قضيتا سوريا واليمن ومكافحة الإرهاب لعدم لتجنب تفشيها إلى الولايات المتحدة أجندة واشنطن في الشرق الأوسط. وفي الواقع، لم يترك القلق الذي يساور الأمريكيين منذ وقوع أحداث "11 سبتمبر" وحتى الآن لم يترك مجالا كبيرا أمام الرئيس أوباما الذي أصبح يجد صعوبة كبيرة في تحقيق التوازن بين إرضاء شعبه والحفاظ على الصداقة التقليدية مع حلفائها القديمة منطقة.
-- شعور بالخيانة إزاء الموقف الأمريكي تجاه إيران
في الحقيقة، سبق للسعودية أن حصلت على دعم تام من حليفتها الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف الإيراني، ولكن إيران أصبحت الآن نقطة حساسة بل وأشبه بـ "شوكة في الحلق" بالنسبة للعلاقات بين الرياض وواشنطن.
فبعد توصل القوى الدولية وإيرن إلى اتفاق في المحادثات النووية الإيرانية ورفع العقوبات الدولية عن طهران، بدأ ذوبان "الجليد" في العلاقات الأمريكية - الإيرانية. ولا شك أنه كلما اقتربت الولايات المتحدة من إيران خطوة، تبتعد عن أصدقائها في الخليج خطوة.
ووسط غضب السعودية وخيبة أملها، سكبت تصريحات للرئيس أوباما الزيت على النار عندما أشار خلال مقابلة أجرتها معه مجلة ((آتلانتيك)) إلى "أنه على السعودية وإيران تعلم مبدأ التعايش معا والتوصل إلى سبيل فعال لتحقيق نوع من السلام البارد".
وينتقد المحللون هذه التصريحات ويصفونها بأنها "تلحق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة دون مبرر" ويقولون إن الرئيس أوباما يزيد من بث القلق والخوف في نفوس جميع الحلفاء في الخليج بدلا من تهدئتهم، ويرون أنه يعالج على ما يبدو تصاعد قوى إيران بنوع من اللامبالاة وفي بعض الأحيان بنوع من الموافقة.
وعند استعراض سياسات إدارة أوباما قبل المحادثات النووية الإيرانية ، نجد أن الثقة المتبادلة التي كانت في يوم الأيام عميقة بدأت تتدهور عندما أعلن البيت الأبيض عن إستراتيجية "إعادة التوازن الأمريكية تجاه منطقة آسيا-الباسيفيك" التي أتاحت ذريعة لتجاهل مساعي السعودية في منطقة الشرق الأوسط ، وعندما ترددت إدارة أوباما في دعم المعارضة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد ، ومن هنا أخذ إحساس السعودية بخيانة صديقتها لها يشتد يوما بعد يوم.
صحيح أن المبدأ الرئيسي الذي يتبعه أوباما يكمن في تفادي أن تؤدى أي خطوة يتخذها في الشرق الأوسط إلى تعريض بلاده لأية أعمال انتقامية، غير أن هذه السياسة المعتدلة- التي تبدو خيارا آمنا لا يغضب الجميع - لا ترضى في الواقع أي طرف.
-- إمكانات تعاون ضيقة في ظل وضع معقد وغياب للثقة
وكان كيري قد صرح بأن القمة بين أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليجي ستركز على آخر تطورات الوضع في المنطقة بما في ذلك الملف اليمني ولكن عدم انعقاد مفاوضات الكويت بشأن الأزمة اليمنية يوم الاثنين الماضي وتأجيلها إلى موعد لم يحدد بعد أحرج أوباما الذي اختار هذه اللحظة للقيام بالزيارة.
ويعد تعثر هذه المفاوضات "صورة مصغرة" للحالة التي آلت إليها معظم العمليات السياسية الجارية في المنطقة، إذ يمكن النظر إلى اليمن باعتبارها نموذجا معبرا عن معظم الدول التي أنهكتها الصراعات والحروب في المنطقة، ويعكس رفض وفد الحوثيين وصالح حضور المفاوضات افتقارا إلى الثقة وعدم وجود نوايا لحل الأزمات بين أطراف النزاعات في المنطقة بأسرها.
وما حدث في جنيف شيء مشابه لذلك، إذ أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قبل يومين أن وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية يعتزم تعليق مشاركته الرسمية في المفاوضات الجارية لحل الأزمة السورية التي تراوح مكانها منذ خمسة أعوام.
وهذا هو الحال، فجميع الأزمات في المنطقة دخلت في مأزق وآلت إلى الركود لتصبح أشبه بأمراض حادة مزمنة. حتى قضية إعادة أعمار العراق التي ألمح كيري إلى أنها موضوع يتطلع أوباما إلى مساعدة السعودية فيه، بات من الصعب تحقيقه من خلال مشاورات بين طرفين لا يثقان في بعضهما البعض ويسيران الآن في اتجاهين مختلفين.
علاوة على ذلك، غاب أربعة من قادة دول مجلس التعاون الخليجي، من بينهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عن الاجتماع الذي استضافه الرئيس أوباما في المنتجع الرئاسي "كامب ديفيد" في مايو الماضي، ما أوضح مرة أخرى أن زعماء الخليج لا يعلقون آمالا على قدرة إدارة أوباما على حل مشكلات المنطقة القائمة منذ زمن بعيد.
ومع حلول موسم سباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأت رغبة دول الخليج في التعاون والتنسيق مع أوباما تتلاشي تدريجيا. وبالنسبة للرئيس أوباما، من الصعب أن تجدى زيارة أو زيارات نفعا في ترميم الصداقة في وقت بدأ فيه الحلفاء يفكرون في طريقة التعامل مع الرئيس القادم للولايات المتحدة.