غزة/رام الله 17 أبريل 2016 /تنتظر عائلة الأسير الفلسطيني محمد القيق الإفراج عنه في 21 مايو المقبل من السجون الإسرائيلية بفضل اتفاق أنهى إضرابا عن الطعام استمر به لمدة 94 يوما.
وتتنفس فيحاء شلش زوجة القيق الصعداء وهي تتحدث لوكالة أنباء ((شينخوا))، عن تحسن تدريجي بصحة زوجها بعد أن ظل مهددا بالموت المفاجئ طوال فترة إضرابه عن الطعام وامتناعه عن تناول المدعمات.
وتقول شلش، إن زوجها المحتجز حاليا في سجن (نفحة) الإسرائيلي، استعاد قدرته على المشي وتناول الطعام بشكل طبيعي، وأن وزنه يزداد تدريجيا ولا يشكو من مضاعفات خطيرة.
واعتقل الجيش الإسرائيلي القيق (33 عاما) ويعمل صحفيا من منزله في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية في 21 نوفمبر الماضي وحوله بعد يومين للاعتقال الإداري الأمر الذي قابله بإعلان إضرابه المفتوح.
خطر الموت
خلال فترة إضرابه واجه القيق سلسلة انتكاسات خطيرة في صحته ونقص وزنه من 98 كيلو غرام عند اعتقاله إلى أقل من 45 كيلو غرام بسبب طول فترة إضرابه عن الطعام.
ولا تخفي شلش قلق العائلة من أعراض قد تصيب زوجها مستقبلا نتيجة مضاعفات فترة إضرابه عن الطعام، لكنها تظهر ارتياحها إزاء تأكيد الفحوصات الطبية المتكررة له بأن أعضائه الداخلية لم تتضرر.
وتعتبر أن ما حققه زوجها في "معركة الأمعاء الخاوية" يعد "انتصارا" بحكم أن السلطات الإسرائيلية كانت أبلغته عند اعتقاله بأنه سيبقى قيد الاعتقال الإداري لمدة ثلاثة أعوام.
وأوقف القيق إضرابه عن الطعام في 26 فبراير الماضي بموجب اتفاق مع السلطات الإسرائيلية يقضي بعدم تمديد اعتقاله إداريا عند انتهاء فترة حكمه الأول البالغة ستة أشهر.
وتقول شلش، إن زوجها تمسك برفض وقف إضرابه إلا بعد أن تسلم تعهدا خطيا من السلطات الإسرائيلية بعدم تمديد اعتقاله الإداري وهو "ما لم يكن يتحقق إلا بفضل صموده في الإضراب".
انعكاس للانقسام
بادر عشرات الأسرى الفلسطينيين إلى إعلان الإضراب فرديا عن الطعام خلال الأعوام الأربعة الماضية أغلبهم ضد الاعتقال الإداري وقرارات العزل الإسرائيلية بحقهم.
ويصف الناشط في حركة (الجهاد) الإسلامي خضر عدنان وهو أسير سابق لدى إسرائيل، الإضرابات الفردية بأنها "نخبوية يبادر لها أسرى ممن لديهم القدرة على تحمل الإضراب نيابة عن الأسرى".
ويشدد عدنان في تصريحات ل((شينخوا))، على أن "الإضرابات الفردية شكلت عامل قوة للأسرى وردعا للإجراءات الإسرائيلية بحقهم وهي بحد ذاتها ثورة على السجن والقوانين المصطنعة لكسر إرادة الأسرى".
وكان عدنان (38 عاما) أضرب في 18 ديسمبر عام 2011 لمدة 64 يوما وتحصل في حينه على قرار بعدم تمديد اعتقاله الإداري وتم الإفراج عنه بالفعل في أبريل عام 2012.
وبعد إعادة اعتقاله أضرب عدنان في 5 مايو من العام الماضي لمدة 53 يوما احتجاجا في حينه على تجديد السلطات الإسرائيلية اعتقاله الإداري منذ يوليو 2014 وتم الإفراج عنه في يوليو الماضي.
ويقول عدنان، إن "الإضرابات الفردية سجلت نجاحات كبيرة في كسر الاعتقال الإداري والعزل والحرمان من الزيارة، كما أنها أبرزت طاقات أهالي الأسرى وحركت الرأي العام المحلي لدعم قضيتهم".
ويضيف إن هذا الشكل من الإضراب "ما كان ليأخذ صورة متنامية كما يحدث منذ أعوام في السجون الإسرائيلية لولا واقع الانقسام الحاصل لدى الحركة الأسيرة تأثرا بالانقسام الفلسطيني الداخلي" منذ عام 2007.
ويشدد عدنان على أن "هناك تشرذما كبيرا للحركة الأسيرة الفلسطينية وغياب قيادة موحدة، وبالتالي فإن تعذر وجود خطوات نضالية جماعية لا يعني عدم المبادرة لخطوات فردية للأسرى".
كما أنه يعتبر أن من حق كل أسير اللجوء لأي خطوة فردية يراها مناسبة "في ظل التقصير الرسمي من السلطة الفلسطينية والفصائل والمؤسسات الدولية والحقوقية وغياب أدوات قوة للدفاع عن قضية الأسرى وكرامتهم".
تدهور أوضاع الأسرى
كان آخر إضراب جماعي للأسرى الفلسطينيين جرى في العام 2012 وشارك فيه نحو 1500 أسير واستمر 28 يوما قبل أن ينتهي باتفاق مع السلطات الإسرائيلية بوساطة مصرية.
ونص الاتفاق في حينه على إنهاء العزل الانفرادي للأسرى والحد من إصدار السلطات الإسرائيلية قرارات الاعتقال الإداري والإفراج عن الأسرى المرضى والسماح بزيارات أهالي أسرى قطاع غزة.
إلا أن الإحصائيات الرسمية الفلسطينية تجاه واقع الأسرى في السجون الإسرائيلية حاليا تظهر عدم تحقق غالبية أبرز بنود الاتفاق المذكور وسط اتهامات فلسطينية متكررة لإسرائيل بالتهرب منها.
وأظهر تقرير لهيئة شئون الأسرى والمحررين في منظمة التحرير الفلسطينية صدر بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف اليوم (الأحد)، أن السلطات الإسرائيلية تعزل حاليا 16 أسيرا "لدواعي أمنية".
وحسب التقرير، بلغ عدد الأسرى الإداريين ما يقارب 750 أسيرا وهو الرقم القياسي الأكبر في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، إلى جانب استمرار اعتقال أكثر من 700 أسير مريض.
ويتيح الاعتقال الإداري بحسب القانون الإسرائيلي وضع المشتبه فيه قيد الاعتقال من دون توجيه الاتهام له لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لفترة غير محددة زمنيا.
تداعيات سلبية
يقدر رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شئون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة، أن أكثر من 50 أسيرا أضربوا بشكل فردي داخل السجون الإسرائيلية خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
ويقول فروانة ل((شينخوا))، إنه يوجد حاليا أربعة أسرى مضربين منذ فترات مختلفة ومن المقرر أن ينضم لهم عدد آخر من الأسرى ابتداء من اليوم، مضيفا إن الأرقام الفردية للإضراب غير ثابتة ومتغيرة دائما.
ويشدد فروانة، على أن الإضراب الفردي للأسرى "يعكس إصرارهم على ممارسة هذا الحق البطولي والمشروع لانتزاع حريتهم وخاصة تحدى اعتقالهم إداريا أو رفض تدهور أوضاعهم المعيشية داخل السجون".
إلا أن حق الإضراب الفردي لا يخلو من تداعيات سلبية على واقع قضية الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، بحسب فروانة، أهمها تشتيت موقف الحركة الأسيرة وغياب المواجهة والإرادة الجماعية.
وفي هذا الصدد، قال إن "الإضرابات الفردية تعكس العجز عن اتخاذ قرار جماعي وواقع غياب وحدة الموقف لدى الحركة الأسيرة نتيجة الانقسام الفلسطيني الداخلي وتداعيات الخلافات بين الفصائل".
ويضيف فروانة إن "ثقافة المواجهة الفردية تعد دخيلة على الحركة الأسيرة ورغم أنها حققت نجاحات فردية وسلطت الضوء على بعض الملفات لكنها بالإجمال لم تعالج المشاكل الجماعية".
ويشير إلى أن الأسير المضرب فرديا يبدأ إضرابه بمفرده وينهيه بمفرده ما رفع سقف الإضراب بحيث أصبح يتجاوز فترة الثلاثة أشهر من دون رد فعل إسرائيلي حقيقي، كما أنه أضعف التضامن الرسمي والشعبي مع المضربين.
ويخلص فروانة، إلى أن أي مبادرة للإضراب الفردي للأسرى الفلسطينيين لا يجب أن تكون بديلا عن الخطوات الجماعية وبقرار موحد من الحركة الأسيرة، إلا إذا كانت في إطار رؤية جماعية تدريجية لتثبت نجاحها.