بقلم/خوا يي ون، خبير الشؤون الدولية
اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال مقابلة أجراها مع قناة فوكس نيوز مؤخرا عن أن أكبر خطأ ارتكبه خلال رئاسته انه لم يكن هناك تخطيط جيد ليوم ما بعد التدخل العسكري للاطاحة بالقذافي في ليبيا. لكنه لم يعترف بأن التدخل العسكري في ليبيا هذا الشيء في حد ذاته خطأ، وانما تحدث عن أن ما دفعته أمريكا في قيادة الحلفاء لاسقاط القذافي لم يكن كبيرا. ولا شك في أن مثل هذه الانتقائية، التدخل المحدود من سماة " عقيدة اوباما".
تعهد أوباما خلال الحملة الانتخابية الرئاسية والسباق نحو البيت الابيض بـ" التغيير" وضبط السياسة الخارجية لادارة جورج بوش الابن، وعلى وجه الخصوص، انهاء الحربين في افغانستان والعراق. وقال إنه لا يريد السير على خطى جورج بوش الابن، ولكن، النتيجة أنه شارك في شن الحرب في ليبيا.
وقد اتسم " التدخل الانتقائي" بأداء جيد في ظل الأزمة السورية. جيث انضمت أمريكا وحلفاؤها الغربيون والاقليميون الى فرض العقوبات وعزل سوريا حتى تفقد حكومة بشار الأسد السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وبالتالي دخول الأخيرة حالة من الفوضى. وحتى الآن، قتل في سوريا مائات آلاف من الاشخاص وشرد الملايين، وباتت مشكلة اللاجئيين الابرز في جميع أنحاء أوروبا. وفتح التدخل الامريكي بصفته ممثل الدول الغربية صندوق بادورا، وجلب عواقب وخيمة في ليبيا وسوريا.
فلسفة أوباما في السياسة الخارجية تختلف عن بوش الابن، واستخدامه للوسائل العسكرية اكثر حذرا من بوش الابن. وقد قام أوباما بزيارة منطقة الشرق الأوسط بعد وقت قصير من تولي منصبه على أمل تحقيق شيء في المنطقة، ولكن الحقيقة ، أن منطقة الشرق الاوسط ليس فقط لم تتحسن خلال رئاسة أوباما، وإنما باتت اسوأ مما كانت عليه خلال رئاسة بوش الابن بعد اندلاع " الربيع العربي"، وظهور تنظيم" الدولة الاسلامية" وتوسعها في وقت قصير بسبب الفوضى في المنطقة. وبالاضافة الى ذلك، كان من المفروض أن يعيد أوباما ضبط العلاقات مع روسيا، لكن حدث عكس ذلك وشهدت العلاقات الامريكية ـ الروسية تدني الى مستوى جديد بسبب الازمة الاكرانية. وإن الازمة الليبية والسورية والاوكرانية جميعها اندلعت امام عيون اوباما مغمضة.
تورطت أمريكا بطرق مختلفة في هذه البلدان ولكن بمستوى عميق جدا، وساهمت بشدة في المزيد من التدهور المستمر. وأسباب تورط امريكا في معظم هذه البلدان " الاستقرار" و" الديمقراطية"، حيث تعتقد أن البلدان المستهدفة تشكل تهديدا امنيا لامريكا وللعالم، أو ان قيمها تتعارض مع القيم الديمقراطية في أمريكا والغرب. وتعتمد أمريكا على قواتها العسكرية المتفوقة وقدرتها على حشد الحلفاء وحقوقها في الخطاب الدولي، للقيام بالتدخل العسكري وقلب نظام الحكم في بلد صغير بشكل سهل نسبيا، ولكن اعادة الاعمار بعد الحرب ليست سهلا. فبعد الحرب الباردة، ومن عهد كلينتون بـ "نمط التدخل الجديد" الى جورج بوش الابن بتيار "المحافظين الجدد"، ومن ثم الى باراك أوباما ب"التدخل الانتقائي"، فإن طريقة وأسلوب التدخل الامريكي الأجنبي مختلفة، ولكن الجوهر لم يتغير. وفي كل التدخلات القوية فشلت في تحقيق السلام والاستقرار.
تعاني المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية من مشاكل عديدة، ليس في سياسة الشرق الاوسط فقط، وانما أثرت على العلاقات مع الصين أيضا. وقد اتخذ باراك اوباما في بداية فترته الرئاسية الانخراط السياسي الايجابي مع الصين لتحقيق الانتقال السلس للعلاقات الثنائية بعد فترة جورج بوش الابن، لكن السياسة الامريكية فشلت في أن تغير سياستها الخاطئة آزاء تايوان والتبت، مما أدى الى تقلبات ومنعطفات. كما جلب التدخل الامريكي في بحر الصين الجنوبي مضاعفات في العلاقات بين الصين وأمريكا. وقد أخطأت السياسة الامريكية اتجاه الشرق الأوسط للمرات، وتعاني سياستها اتجاه الصين مشاكل عديدة أيضا. مستقبلا، ستكون الصين وأمريكا اثنين من القوى العظمى لهما تاثير كبير في العالم، ولن يكون هناك فضاء كبير للسياسة الامريكية تجاه الصين لـ"تجربة الخطأ" .
تفكير باراك أوباما في قضية الشرق الأوسط لم يصل المستوى. ويفتقر أوباما الى التفكير في إستراتيجية إعادة التوازن الأمريكية تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ. واذا كانت التأملات ليست على المستوى أو ليست هناك تأملات، فإنه من الصعب تجنب تكرار الخطأ.