مهرجان الفوانيس
مهرجان الفوانيس فقرة هامة في احتفالات الصينيين بسنتهم القمرية الجديدة، إذ يتم الاحتفال به في نهاية الاحتفالات بالسنة الجديدة، وتصادف منتصف الشهر القمري الأول للعام الجديد، حيث يكون القمر بدرا. كانت الفوانيس بسيطة جدا، شحيحة الألوان والنور، مصنوعة من شموع ومصابيح ورقية أو قماشية تعلق أمام المساكن أو بالشارع، ولكنها تطورت مؤخرا فأصبحت بألوان حمراء زاهية وأطر ذهبية أنيقة، وتنتشر مهرجاناتها في معظم مدن الصين، حيث تقام مهرجانات دولية كبيرة، كما في مهرجان الفوانيس الدولي في مدينة تسيقونغ بمقاطعة سيتشوان، ومهرجان الفوانيس في نانجينغ بمقاطعة جيانغسو، وفوانيس الثلج الكبيرة في مقاطعة هاربين، والكثير غيرها. وانتشرت هذه الفعاليات دوليا، حيث تقام إلى جانب فعاليات تقليدية احتفالية أخرى، في مدن عالمية بارزة مثل لندن وسان فرنسيسكو ونيويورك وبروكسيل، والعديد من مدننا العربية وخاصة القاهرة ودبي.
معتقدات وتقاليد خاصة
في هذه المناسبة تحديدا، تبرز العديد من التقاليد المأخوذة من الموروث التاريخي أو المعتقدات بمختلف مصادرها، تبدو خاصة بالصينيين. لنتحدث عن المكروهات تقليديا، وعكسها هو المحبوب أو المرغوب. مثلا، إن الصينيين، خاصة بالأرياف التقليدية، يحرصون على إكمال الاستعدادات، خاصة التجديدات والتنظيف، قبل قدوم السنة الجديدة. وفي اليوم الأول من السنة التقليدية الجديدة لا يحبذ ونتناول دواء، ولا غسل الشعر، ولا كنس الدار ولا غسل الملابس، ولا تناول الحساء البسيط لأنه رمز للفقر، وتفادي الأدوات الحادة كالسكين والمقص. وعلى المرأة أن تلازم دارها في ذلك اليوم، وتفادي البكاء، حتى لو بكاء طفل، وتفادي الاقتراض أوالسرقة، أو إراقة دماء أي كائن حي. والصينيون التقليديون لا يحبذون تقديم فاكهة قد يضطر المرء لقطعها نصفين، مثل كمثرى واحدة، لأنها إذا شطرت لنصفين منفصلين، فهذا فأل سيئ ينذر بفراق الشخص عن نصفه الآخر. هذه المعتقدات، قد يكون معظمها باقيا في أرياف الصين حتى الآن، ولكن بالمدن تغير الناس كثيرا، ولم يعد سوى القليل منهم، يهتم بها.
القوة الناعمة للصين تنقل الاحتفالات من المحلية إلى العالمية
رغم العدد الهائل للمحتفلين بهذه المناسبة، الذين يشكلون نحو سدس سكان الكرة الأرضية، يقطنون كلا من الصين (البرالرئيسي ومنطقتي هونغ كونغ وماكاو الإداريتين الخاصتين وجزيرة تايوان)، واندونيسيا والكوريتين، وماليزيا والفلبين وفيتنام، وسنغافورة وبروناي، وحتى ميانمار، إضافة إلى المهاجرين من أصول آسيوية في بلدان العالم، إلا أن هذه الاحتفالات ظلت محصورة محليا في هذه الدول والمناطق المذكورة أعلاه. ومع التطور التنموي السريع في الصين، خلال العقود الثلاثة الماضية، بدأت هذه الاحتفالات بالظهور عالميا، بشكل أو بآخر.
التبادلات بين الصينيين والعالم ازدادت بمختلف أنواعها، والخصائص الصينية باتت معروفة عالميا، ورحلات الصينيين ازدادت خارج بلادهم، وهم يحملون معهم الكثير من تقاليدهم وثقافاتهم، وسفارات الصين نشيطة في هذا المجال، ومعاهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية وثقافاتها انتشرت في عواصم وحواضر العالم، وهذا يعني فرصة لتعريف الناس بلغة وثقافة وتقاليد الصين. وزارة الثقافة الصينية تقوم بجهد كبير في هذا الصدد من خلال إقامة المهرجانات والفعاليات المتنوعة في الكثير من مدن العالم، للتعريف بالتقاليد والثقافات والموروث التاريخي والشعبي للأمة الصينية. والصينيون المنتشرون في كل العالم، أخذوا يقيمون الفعاليات والعروض الفنية الاحتفالية بهذه المناسبة، ويتمتعون بعطلة رسمية في جامعاتهم خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا حيث يتواجدون بكثرة، ويتلقون التهاني من زملائهم ومن زعماء الدول المذكورة لتهنئتهم بهذه المناسبة.
قبيل رأس السنة التقليدية الصينية الجديدة هذه، بدأ في منتصف يناير/كانون ثاني 2017 تشغيل قطار شحن ينطلق من مدينة إيوو بالصين إلى لندن بالمملكة المتحدة، مارّا بدول كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا، مرورا تحت القنال الإنجليزي ليصل إلى لندن، على طريق أطلقت عليه تسمية "طريق الحرير"، يحمل رسالة الصين لإقامة طريق تجاري يعزز فرص العمل والتواصل بين الناس في قارتي آسيا وأوروبا. واحتفالا بوصول هذا القطار، أقيم في 19 يناير نفسه، مهرجان "فوانيس طريق الحرير" في حدائق تشيسويك هاوس بلندن، حيث أضاءت العروض الضوئية الليزرية سماء المنطقة وملأتها نورا وبهجة. هناك الكثير من مدن وحواضر العالم، تقيم مهرجانات كبيرة بهذه المناسبة وربما تكون العاصمة البريطانية لندن، ومدينة سان فرنسيسكو الأمريكية، الأبرز خارج آسيا.
وعلى ضوء مبادرة الصين لإحياء طريق الحرير، لا بد من الإشارة هنا إلى أن تعزيز التعارف والثقة بين الناس، وبناء جسور وطرق التواصل، أفضل كثيرا من بناء الجدران العازلة وغلق الأبواب بوجه الناس، كما يحدث في الولايات المتحدة حاليا تحت الإدارة الجديدة للرئيس ترامب.