بكين/واشنطن 20 ديسمبر 2016 /بينما يقترب تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في الشهر المقبل، تركت عدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته التي ميزت حملته الانتخابية والتحولات التي تلت ذلك الدولة والمجتمع الدولي في هوة عميقة من الشك والقلق.
ويأتي ترامب إلى السلطة في وقت تكافح فيه واشنطن وغيرها من العواصم العالمية مدا متزايدا عن أي وقت مضى من القومية والشعبوية والحمائية التجارية ورغبة في التراجع عن العولمة. وقد ساعدت هذه الاتجاهات ، المدعومة جزئيا بسخط بعض الأمريكيين عن حياتهم خلال السنوات الثماني الماضية، في تمهيد طريقه إلى البيت الأبيض.
--فشل اوباما
يكاد يكون الأمر ديجافو( وهم سبق الرؤية بحسب تعبير الفرنسيين) مرة أخرى. فقبل 8 سنوات، ركب الرئيس الأمريكي المنقضية ولايته باراك اوباما على يأس الناخبين في الولايات المتحدة من أجل التغيير في ذروة الأزمة المالية العالمية.
وقبل أكثر من شهر تقريبا من مغادرة منصبه في المكتب البيضاوي، تهاوى إرثه من حيث السياسات الداخلية والخارجية مع الحطام.
محليا، تفكك النسيج الاجتماعي مع جرائم إطلاق النار العنيفة والمتكررة، والتمييز العنصري المتزايد، والبنية التحتية المحطمة، وإصلاح نظام الرعاية الصحية العملاق المثير للجدل، واتساع الفجوة في الدخل.
ويعتقد دوغلاس أتش بال، نائب رئيس الدراسات بمعهد كارنيغي للسلام الدولي، أن البيت الأبيض في عهد اوباما فشل محليا لأنه ببساطة صُدم بقوة من إصلاح الرعاية الصحية وأموال التحفيز المهدرة على مشاريع غير مجدية خلال الأزمة المالية العالمية.
وأيضا، شلت سنوات من الجمود الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين قدرة إدارة اوباما على التحرك قدما بأجنداتها الموضوعة سلفا.
وخارجيا، ارتكبت إدارة اوباما عدد لا بأس به من الأخطاء الكبيرة، في الشرق الأوسط أطاحت بنظام معمر القذافي في ليبيا بدون خطة عملية لإعادة إعمار البلاد. واستطاع مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية الظهور واحتلال مساحات من العراق وسوريا بسبب سوء توقيت انسحاب اوباما من المنطقة. وأطال دعمه للمتمردين السوريين أمد الحرب الأهلية في البلاد إلى هذا اليوم، وساهم في خلق أفظع أزمة لاجئين منذ عقود.
وفي انتقاله إلى محور آسيا الباسيفيك، خطط لزرع بذورالشقاق بين الصين وأعضاء آخرين في المنطقة لردع صعود الدولة الآسيوية. مع ذلك، ألقت سياسة إعادة التوازن للحكومة الأمريكية بالمنطقة في وضع إقليمي غير متوازن. وقد أظهر اتفاقه التجاري شراكة عبر الباسيفيك، الذي استبعد الصين منه، اهتمام الرئيس الأمريكي فقط بتحقيق هدفه الاستراتيجي حتى لو كان ذلك على حساب حلفاء أمريكا.
--انقسام أمريكي عميق
ووفقا لنتائج الانتخابات، فقد ترامب التصويت الشعبي بهامش أكبر من أي رئيس أمريكي قبله. وهذا يعني أنه لن يكون هناك شهر عسل بين الرئيس المنتخب والشعب الأمريكي.
ولفت استطلاع جديد لماكلاتشي-ماريست إلى وجود حالة انقسام عميقة لا تزال تسود الشارع الأمريكي بشأن إذا ما كان ترامب سيكون رئيسا فعالا.
وفي أنحاء كثيرة من الولايات المتحدة، يوجد تيار مستمر من الاحتجاجات من قبل متظاهرين غير راضيين عن نتائج الانتخابات ويرددون هتافات مناهضة للرئيس المنتخب.
لكن، على الرغم من تعهده بلم شمل البلاد مرة أخرى بعد ربما أكثر انتخابات سلبية في التاريخ السياسي الأمريكي، يتوقع أن تؤدي السياسات الداخلية المنتظرة من قبل الرئيس إلى تشرذم البلاد أكثر فأكثر.
وخلال الانتخابات، أدلى ترامب بتصريحات صعبة مناوئة للهجرة مثل رفض اللاجئين السوريين وبناء جدار طويل على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وقالت تقارير مؤخرا إن مستشاري ترامب يناقشون بناء نظام وطني لتتبع المسلمين.
وعلى الرغم من أن فريق ترامب الانتقالي نفى تلك التقارير على الفور بقوله إن الرئيس المنتخب لم يدعو أبدا لأي سجل أو نظام يتعقب الأفراد على أساس دينهم، إلا أن أحد المرشحين المحتملين للعمل في مجلس وزراء ترامب تم تصويره وهو يحمل وثائق في لقاء مع الرئيس المنتخب توجز مقترحات لمنع دخول اللاجئين السوريين وإعادة سجل وطني يركز على المسلمين.
وبالفعل، قد أثار ذلك الكثير من الجدل والانتقادات داخل البلاد، في حين تعهدت شركات مثل فيسبوك وتويتر بعدم التعاون إذا طلب منها ذلك.
-- سياسة اقتصادية غير فعالة
وعلى الصعيد المحلي، يسعى ترامب لإنعاش الاقتصاد الأمريكي من خلال خفض الضرائب والاستثمار في البينة التحتية.
وقال دان ماهافي، نائب رئيس مركز دراسات الرئاسة والكونغرس إن إدارة ترامب ستركز على إتباع نهج قوي وفوري لضمان أن تكون الولايات المتحدة "مفتوحة للأعمال" من خلال استبعاد العوائق التنظيمية وزيادة إنتاج الطاقة وإصلاح السياسيات الضريبية والاستثمار في البنية التحتية.
بيد أن وانغ رونغ جيون، الزميل البارز بالمعهد الوطني للإستراتيجية الدولية التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، قال إن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق في نفس الوقت سوف يزيد من تراكم العجز في الميزانية ويمكن أن يسبب زيادة محتملة في سقف الدين، الأمر الذي سيواجه معارضة قوية من قبل بعض صقور العجز الجمهوريين.
كما أن خطته لخفض الضرائب، التي تقلل الضرائب بشكل أساسي على الشركات والأثرياء الأمريكيين، سوف تقابل برفض شرس من قبل المشرعين الديمقراطيين.
وحذر ترامب مرارا الشركات الأمريكية التي تبنى مصانعها في الخارج بفرض عقوبات مالية محتملة إذا لم تتوقف عن ذلك.
وقال وانغ إن سياسات ترامب لن تفعل إلا القليل لإحياء على المدى الطويل الصناعات التحويلية الأمريكية التي تعاني الكثير منها من مشاكل في المنافسة العالمية وإعادة الوظائف.
وتوقع دان ماهافي أيضا أن يكون لسياسات ترامب تأثير قوي على المدى القصير لتعزيز الاقتصاد.
غير أنه حذر من أن آثارها على المدى القصير ستحجب الحاجة إلى الاستعداد بشكل أفضل للاحتياجات على المدى الطويل مثل البنية التحتية للطاقة النظيفة وتحسين التعليم لضمان أن تواصل الولايات المتحدة ريادتها في الابتكار والنماذج الجديدة في التطوير فائق التكنولوجيا والتصنيع.
-- عالم في حالة من الفوضى؟
وعلى صعيد التجارة الخارجية، من المرجح أن يتبع ترامب نهجا أكثر حمائيا.
وقد جادل خلال حملته الانتخابية بأن السياسات التجارية القائمة دمرت الحياة الاقتصادية للكثير من الأمريكيين. واقترح إعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية.
كما أعلن ترامب وفاة شراكة عبر الباسيفيك وقال إنه سيختار التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية ثنائية "عادلة" مع شركاء بلاده.
وقال وانغ إن سياسات ترامب التجارية، في حال تنفيذها، مكن أن تؤدي ببساطة إلى مزيد من الاحتكاكات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين بما في ذلك الصين.
وقال ديفيد دولار، الزميل البارز بمركز جون إل ثورنتون الصين التابع لمعهد بروكينغز، إنه يأمل أن تفهم إدارة ترامب أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تبدأ حربا تجارية واسعة النطاق.
وفي السياسة الخارجية، قال دان ماهافي إن الولايات المتحدة ستكون أكثر حزما بكثير مع حلفائها وخصومها المحتملين على حد سواء.
وفي الشرق الأوسط، من شبه المؤكد أن يواصل ترامب العمليات الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومن المحتمل ألا يغير النهج الحالي الداعم للقوات المحلية للتدخل العسكري المباشر.
وقالت يانغ ون جينغ، الباحثة الرفيعة بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، إنه في الشرق الأوسط، قد يكون ترامب حذرا جدا في مسألة تعزيز الانخراط العسكري، وسيختار نقل المزيد من الأعباء إلى حلفائه.
وبالنسبة للاتفاق النووي الإيراني ، يبقى من غير الواضح كيف سيتعامل الرئيس المنتخب معه. غير أن الشيء الوحيد الواضح هو أن الاتفاق إذا مُزق، سيكون من الصعب جدا إعادة الإيرانيين إلى طاولة التفاوض.
وفيما يتعلق بسياسة صين-واحدة، قالت يانغ إنه بينما لا تزال بعض السياسات المحددة تتشكل حاليا، تبقى هناك بعض الشكوك.
مع ذلك، حذرت يانغ من أنه في ضوء احتواء فريق ترامب الاستشاري ومجلس وزرائه على العديد من المحافظين، قد تصبح الحكومة الأمريكية القادمة أكثر صرامة ضد الصين وتكثف ضغوطها على بكين في التجارة والعملة من بين مسائل أخرى.
وقد أثارت مكالمة ترامب الأخيرة مع زعيمة تايوان وتصريحاته بشأن سياسة صين-واحدة مخاوف جدية في بكين، التي جددت التأكيد على التمسك بمبدأ صين واحدة كأساس سياسي لتطوير العلاقات الصينية-الأمريكية وكحجر زاوية للسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.
وكتب بيتر نافارو، وهو مستشار سياسي لترامب، مؤخرا في مقالة أن ترامب سيواصل بثبات إستراتيجية " السلام من خلال القوة".
وربما تحتاج إدارة اوباما إلى معرفة أن الولايات المتحدة، خلال العقود الماضية، نادرا ما فشلت في إظهار قوتها وما ناب العالم سوى الفوضى وإراقة الدماء، وربما القليل من الحكمة والتواضع من جانبها يكون أفضل للسلام في كل مكان بالعالم.