باتت أوروبا الآن تخاف الأشياء التي طالما إفتخرت بها، لكن من الأخبار السارة التي تأتي من القارة العجوز، فوز إنجيلا ميركل برئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، بـ 89.5%، ما سيمكنها من دخول الإنتخابات الألمانية في 2017، الأمر الذي يجعل الشعب الألماني يتنفس الصعداء، رغم ذلك، لا أحد يمكنه الجزم بنتيجة الإنتخابات الألمانية العام القادم بعد خسارة هيلاري كلينتون أمام ترامب، فليس هناك دولة أوروبية بإمكانها أن تحافظ على تعلق الناس القيم الديمقراطية أمام موجة الشعبوية العاتية. في هذا الصدد، قالت وكالة رويترز أن خسارة ميركل أمام الشعبوية ستعني إنهيار الإتحاد الأوروبي.
مالذي حلّ بأوروبا يا ترى؟ كثيرون يسألون هذا السؤال مع إقتراب عام 2017، الذي يمكن إعتباره العام الذي سيقرر مصير أوروبا. ظاهريا يبدو صعود اليمين السبب الرئيسي وراء المشكلة السياسية التي تهدد أوروبا، مايؤثر على وحدة أوروبا. لكن في الحقيقة، سواء صعد اليمين الشعبوي إلى الحكم أم لا في أوروبا، فإن العديد من الدول الأوروبية المحورية بصدد التململ.
هناك الكثير من التحليلات لأسباب صعود الشعبوية في أوروبا، لكن حتى تلك الآراء التي تعيد الأسباب إلى قضايا الهجرة وتراجع عدد الوظائف وتزايد الفوارق بين الأغنياء والفقراء، تبقى أعراضا سطحية، ولا تفسر قصور نظام الإستفتاء بشكل جذري.
لا شك في أن الإستجابة إلى إرادة الشعب تعد جزءا من السياسة الخيّرة، لكن جعل إرادة الشعب تتحول إلى أساس لتحديد سياسات الدولة، والتوهم في أنها سفينة نوح لإنقاذ الدولة والإصلاح، تعد ممارسة أثبت الواقع أثرها الكارثي.
هذا هو مكمن أزمة القيم الديمقراطية في أوروبا. فمع إرتفاع المستوى التعليمي للمجتمع، تدنى اعتراف الجماهير بسياسة النخبة مع تزايد الفضائح وقضايا الفساد وعجز النخبة السياسية. وظهر المرشحون "المهرجون" في المسارح الإنتخابية في أمريكا وأوروبا، حيث إعتمدوا على غضب الجماهير كسلاح الإنتخابات الأقوى، ومن ثم، فإن الحملات الإنتخابية المزاجية والإستعراضية تعيد كتابة تاريخ هذه الدول في الوقت الحالي.
إن إنتصار هذا المزاج يمثل فشلا للنظام، وإرادة الشعب بصفتها جزءا من الوسائل السياسية من الصعب التحكم أو التنبؤ بنتائجها بشكل دقيق، حيث تبقى دائما مليئة بالأفخاخ. وفي مواجهة القرارات السياسية المعقدة، يصبح ترك مصير الدولة تقرره إرادة الشعب تبسيطا للأمور.
يقول الفيلسوف آندري كونت سبونفيل، إن علوية الشعب حقيقة مفروغ منها، لكن هذا لا يعني أنه علينا أن نوافق الأغلبية في كل قرار تتخذه. وفي الوقت الحالي، نرى أن تمزق آراء الشعب في عمليات الإستفتاء بصدد تمزيق المجتمعات الأوروبية. وانتشار الشعبوية قد يتسبب في تعميم نظام "الفيتو" وتفشى مناهضة المثقفين.
لقد ظن القادة الغربيون أنهم سيصدرون النظام الديمقراطي إلى الدول العربية، لكنهم سرعان ماتفاجؤا بـ "ثورة ملونة". وفي الوقت الحالي، ألا تعد موجة الشعبوية التي تلف كامل أوروبا "ثورة ملونة"؟ لا شك في أنه يجب المحافظة على القيم الديمقراطية، لكن، هل أن إرادة الشعب تعني الديمقراطية، هذا يحتاج إلى إعادة التفكير. وخاصة حينما تتوسع الهوة المعلوماتية والمالية بإستمرار بين أفراد الشعب.
إن النظام الفعال، إذا لم يمتلك آلية إصلاح وتجديد ذاتي، فقد يواجه هذا النظام مصير الإندثار. لذا حان الوقت ليعود مصممي هذه الأنظمة إلى نقطة البداية ويفكرون في المستقبل والمصير.