تعليق:الصين تدعو المجتمع الدولي الى إعادة القداسة للإنسانية

استخدمت الصين وروسيا مؤخرا حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار بشأن وقف الأعمال القتالية في حلب والذي قدمته إسبانيا ومصر ونيوزيلندا الى مجلس الأمن للأمم المتحدة. وقد اثار الموقف الصيني رد فعل شديدا من قبل وسائل الاعلام الغربية، ووجهت هذه الوسائل الاعلامية التي تعتبر نفسها "حراس الانسانية" انتقادات شديدة للصين معتبرة الموقف الصيني بأنه " مناقض وضد الانسانية".

وقد ركز مشروع القرار على ضرورة وقف جميع الأطراف المتناحرة إطلاق النار في حلب لمدة قصيرة لضمان تنفيذ الاعمال الانسانية. ويبدو ان الحماية الانسانية مبرر كافي لمطالبة وقف اطلاق النار، لكن، بتحليل الوضع الراهن الصعب والمعقد الذي تشهده سوريا ، فإن " الانسانية" لم تعد أمرا عاديا.

تعتبر حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا. وبعد نشوب الاضطرابات في سوريا، استولت المعارضة على حلب، مثيرة موجة من اللاجئين. وخلال الفترة الطويلة الصعبة والمأساوية التي مرت بها حلب لم تطرح أي دولة غربية قرارا إنسانيا، ولكن بعد شن الجيش السوري حربا لاستعادة حلب والتحكم بمعظم المناطق وعلى وشك انتهاء الحرب واستعادة المنطقة، ارتفعت الأصوات الانسانية، ومطالبة روسيا وسوريا التناول في ساحة المعركة باسم توسيع وصول المساعدات الانسانية، الامر الذي يستدعي الجدية في التفكير.

تركيبة القوات المحاربة ضد جيش الحكومة السورية معقد جدا. حيث تندرج "جبهة النصرة" أحد أقوى القوات المشاركة في الحرب على قائمة الهيئات الإرهابية للأمم المتحدة. وقد طالبت روسيا الغرب عدة مرات فصل "جبهة النصرة" من المعارضة السورية، لكن دون جدوى. حيث لم يعد معروفا ما إذا كانت هناك عوائق تمنع انفصال "جبهة النصرة" من قائمة المعارضة المسلحة أم أن الغرب لا يريد انفصالها. وبعد ذلك، اقترحت روسيا مغادرة قوات المعارضة السورية المناطق التي سيطرت عليها "جبهة النصرة" ومغادرة حلب تماما، لكن الغرب رفض مرة أخرى. وعليه، فإن نية الغرب واضحة جدا، وما يهمهم هو بقاء المعارضة السورية في حلب باسم الانسانية. ووفقا للوضع الحالي ، فإنه من يحكم حلب، يحكم زمام المبادرة. لذلك، أشارت بعض وسائل الاعلام بشكل حاد الى أن بعض الدول تتخذ موضوع الانسانية لتسخين الوضع في حلب ووراءه الحسابات السياسية.

تعتبر الحماية الانسانية مسئولية الطرفين المتناحرين، إلا أن الإعلام الغربي يتهم روسيا وسوريا بما آل اليه الوضع في حلب ومطالبتهما بتحمل مسؤولية الوضع الانساني، ونادرا ما تتغاضى عن تصرفات الطرف الآخر ضد الإنسانية، كمخازن الذخيرة والأسلحة لقوات المعارضة السورية تم اكتشافها في حلب، أدهش الناس. وكيف يمكن شرح الكميات الكبيرة من الاغذية التي وجدت في المخازن، في حين يعاني الكثير من المدنيين من جوع ؟

إن الذين يعرفون تاريخ الشرق الأوسط يعلمون من يزرع جذور قضايا ومشاكل المنطقة، وكيف يتطور الوضع الى ما نشاهده اليوم. وينبغي على الذين يتهمون الصين أن يجيبوا على السؤال حول من تقع عليه المسؤولية التاريخية عن الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط؟

وقال مبعوث صيني في الأمم المتحدة: "يجب تجنب تسييس القضية الانسانية". ما يشير الى جوهرية القضية. وإن الروح الانسانية هي روح الثقافة التقليدية الصينية، ومارست الصين الانسانية ثابثة دائما. وما ترفضه الصين هو اخفاء أمور غير انسانية بغطاء الانسانية.

هناك الكثير من الحقائق تعرضت لتشويه واخفاء في الأزمة السورية. أمام الاضطرابات والكوارث والآلام، الضمير الإنساني يدعو المجتمع الدولي لإعادة الموضوعية للحقائق، وإعادة العدالة أثناء النزاع، وإعادة القداسة للانسانية.