القاهرة أول مايو 2016 /رأى خبراء أن الاقتصاد المصري يعاني من عدة مشكلات لكن احتمال انهياره "صفر" حتى لو غابت المساعدات الإقليمية، وذلك ردا على وزير خارجية تركيا.
وكان الوزير التركي مولود جاويش أوغلو صرح قبل أيام بأن "مصر اليوم ليست قوية، وليست مفيدة لأي طرف، وأنها هشة تحت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي".
وقال أوغلو إن " مصر يمكن أن تنهار في غياب المساعدات الإقليمية"، وطالب بـ "تشكيل حكومة ممثلة لجميع التيارات".
واعتبر الخبراء أن هذه التصريحات " تبدو فيها المغالاة في الموقف، والتشدد ضد الرئيس السيسي، ومصر عمرها ما كانت دولة هشة".
ورأوا أن ما تحصل عليه مصر من دول الخليج ليست مساعدات بل قروض ميسرة سيتم تسديدها لاحقا، واستثمارات ستحقق أرباحا لأصحابها قبل مصر.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية إن " مصر دولة اتزان في المنطقة، وحتى الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا تنظر إليها بهذا الشكل".
وأضاف إن " مصر دولة محورية عضو في مجلس الأمن الدولي، صحيح أن اقتصادها يعاني لكنها دولة مهمة، والدليل الزيارات المتتالية لقادة الدول اليها حيث زارها أخيرا قادة السعودية وفرنسا والبحرين ومسئولين من أمريكا وألمانيا والإمارات".
وتابع إن الجيش المصري مصنف الـ 12 على مستوى العالم، وأسوأ تصنيف حصل عليه كان الـ 18 عالميا.
وواصل " لا أتصور أن تنهار مصر، هذا احتمال بعيد تماما، كما أن العلاقات مع دول الخليج تتسم بالخصوصية، وهناك اتفاقيات عديدة بين الطرفين ".
وتساءل " أين المساعدات التي تحصل عليها مصر من دول الخليج، إنها اتفاقيات استثمارية وودائع في البنك المركزي ".
واعتبر تصريحات وزير الخارجية التركي " شكل من أشكال المكايدة، لاسيما أن هناك ندية وعدم توافق بين مصر وتركيا".
وتابع ان " تركيا في خلاف شديد مع النظام الحالي في مصر، والفجوة بينهما واسعة، كما أن هناك خصوصية في العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان المسلمين" التي ينتمى إليها الرئيس الأسبق محمد مرسي.
ولفت إلى ما شهدته زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري لتركيا لتسليم رئاسة منظمة التعاون الاسلامي إلى أنقرة، حيث لم يصافح نظيره التركي الذي كان يجلس بجواره، كما لم يحضر كلمة الرئيس رجب طيب أردوغان.
من جهته، رأى الدكتور ياسر جادالله استاذ الاقتصاد بجامعة حلوان إن التصريحات التركية "غير مسئولة" خاصة أنها تصدر من وزير خارجية دولة.
وقال إن هذه التصريحات " تبدو فيها المغالاة في الموقف، والتشدد ضد الرئيس المصري، ومصر عمرها ما كانت دولة هشة ".
وأكد أن هناك تحسنا في أوضاع الدولة المصرية، وأن اقتصادها رغم أنه يعاني من مشكلات إلا أنه ليس ضعيفا ويشهد تحسنا نسبيا.
وأشار إلى أن مصر لا تحصل على معونات بل قروض ميسرة سوف تسددها، واستثمارات سوف تحقق الربح لأصحابها قبل مصر.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لا يوجد دولة في العالم لا تحصل على قروض، وأمريكا نفسها أخذت قروضا.
وأكد أن انهيار الاقتصاد المصري " مستحيل" لأن مصر سوق كبير، وأوضح أن مصلحة عدد كبير من دول المنطقة في أن تبقى مصر قوية.
غير أنه رأى أن الاقتصاد المصري يحتاج إلى حوالي ثلاثة سنوات لبدء تعافيه، وحوالي عشر سنوات على الأقل للاستغناء عن القروض الخارجية.
بدوره، قال الدكتور فخري الفقي المستشار السابق لصندوق النقد الدولي إن تصريحات وزير خارجية تركيا تأتى " في إطار الحرب النفسية لإضعاف الروح المعنوية للمصريين".
وأضاف إنه " لا يخفى على المجتمع الدولي أن الاقتصاد المصري في وضع خرج بعد هزتين وزلزالين كبيرين هما ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013، ونتيجة فترة كبيرة من سوء الإدارة منذ ثورة 23 يوليو 1952".
ورأى أن مصر " كانت حقل تجارب لمن تولى الإدارة الاقتصادية فتبنت الاشتراكية ثم الانفتاح، فالرأسمالية المتوحشة، فالتوريث، وانتهاء باقحام الدين في السياسة.. وكل هذه التجارب انعكست على الأداء الاقتصادي وقدرة الاقتصاد على الاستمرار في النمو، فزادت معدلات الفقر والبطالة والتضخم ما أدى لثورة 25 يناير".
وأردف إن الاقتصاد المصري يعاني من ثلاثة مشاكل هي اختلالات مالية ممثلة في العجز المتفاقم في الموازنة العامة وزيادة الدين العام لاسيما المحلي والعجز في ميزان المدفوعات خاصة الميزان التجاري.
وأوضح أن ثاني هذه المشاكل هو انخفاض قدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات أما ثالثها فهو زيادة التضخم.
وواصل ان هناك تشوهات واضحة جدا في الهياكل المكونة للاقتصاد المصري من الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام ومنظومات الضرائب والأجور وسوق العمل وشبكة الحماية الاجتماعية.
وزاد " مصر بدأت منذ منتصف 2013 علاج هذه المشاكل والتشوهات وتحتاج إلى تمويل لا تملكه لتنفيذ هذه الإصلاحات، لأن اقتصادها ينزف منذ الثورة حيث انخفضت ايرادات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المصريين في الخارج".
وأكمل " طالما أن الأمن القومي المصري مرتبط بالأمن القومي الخليجي، والعكس صحيح، فمن الطبيعي أن توفر هذه الدول التمويل" خاصة أن "مصر ودول الخليج في قارب واحد".
وواصل إن " وزير الخارجية التركي يقول إن مصر قد تنهار في غياب المساعدات الاقليمية، وهو يريد ذلك، ونقول له لماذا لم تنهر مصر في الـ60 عاما الماضية رغم الإغلاق الذي فرضه الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ورغم حرب 1967؟".
وأضاف إن " مصر مرت بفترات حالكة في تاريخها ولم تنهر، والشعب المصري لا ينهار، وهو (أي الوزير التركي) لم يقرأ تاريخ مصر جيدا".
وتابع إن " مصر دولة زراعية، ولديها مصادر دخل متنوعة من سياحة وقناة السويس وقطاع الخدمات وغيره وقادرة في حالة عدم وجود دعم خارجي على تجاوز المرحلة".
وختم إن " احتمالات انهيار مصر في ضوء المعطيات التاريخية ضعيفة جدا قد تصل إلى صفر، والسيسي استوعب دروس التاريخ ولم يكرر أخطاء الماضي، ويحاول إحداث توازن في الإصلاحات الاقتصادية والعلاقات الخارجية".