يشهد العالم اليوم تغيرات حاسمة، ويدفع وباء كورونا الجديد العالم نحو تغيرات جديدة بشكل مستمر. وفي هذا الوقت، بات العالم في حاجة ملحّة للإجابة على سؤال إلى أين سيتجه النظام الدولي في المستقبل.
إن النظام الدولي ديناميكي، وينبغي أن يفضي الاتجاه العام إلى حماية المصالح المشتركة للبشرية. فقد أسهم النظام الويستفالي الذي تأسس في القرن السابع عشر في دفع واعادة بناء النظام الدولي. أما النظام الحالي فقد تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، كنظام تعددي متمركزا حول الأمم المتحدة، لصون السلام والاستقرار العالميين وتعزيز التنمية المشتركة لجميع البلدان.
جلب إنشاء الأمم المتحدة الأمل للعالم. وفي عام 1948، تم تأسيس منظمة الصحة العالمية، كوكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة ومسؤولة عن الشؤون الصحية. وكان هدفها الأصلي تحسين وضع الصحة العالمية ومساعدة البلدان في جميع أنحاء العالم على مواجهة تحديات الصحة العامة والسلامة. وخلال وباء كورونا الجديد، اضطلعت منظمة الصحة العالمية بمسؤولياتها بنشاط، ولعبت دورًا قياديًا في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الوباء، ووجدت جهودها في هذا الجانب اعترافا وإشادة من المجتمع الدولي. كما تبذل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كل الجهود الممكنة لمواجهة التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الوباء. وحتى 7 مايو، وافق صندوق النقد الدولي على حوالي 18 مليار دولار أمريكي من طلبات المساعدة الطارئة لـ 50 دولة عضو وعلق سداد الديون لـ 25 دولة من الدول الأكثر فقرا. وأنشأ البنك الدولي صندوقا جديدا متعدد المانحين للتأهب والاستجابة الصحية لحالات الطوارئ ومساعدة البلدان، ولا سيما البلدان منخفضة الدخل، على مواجهة التحديات الصحية الناجمة عن الوباء وتعزيز انتعاشها الاقتصادي.
الجدير بالتفكير في أن الوباء قد اندلع في فترة كان فيها النظام الدولي يعاني صدمة الأحادية والحمائية التجارية، وقد كشف الوباء أي ضرر يمكن أن يلحق بالنظام الدولي بسبب الصدمات. وكما أشار ريتشارد هاس، رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، بأن الوباء قد ذكر الناس بأن العولمة حقيقة وليست خيارًا، وأن الفجوة بين المشاكل العالمية وقدرات الاستجابة العالمية ستحدد حجم انتشار الوباء. كما جعل الوباء البلدان تدرك بشكل أوضح حجم الترابط بين مصائر البشر، وأن إنشاء مجتمع المصير البشري المشترك هو الطريق الصحيح، وأن الوحدة والتعاون هي الطرق الاجدى لمواجهة التحديات. وفقط من خلال استبدال الخلافات بالتضامن والتحلي بالعقلانية بدلا من التحيّز مع يمكن للعالم أن يجابه الوباء.
وخلال فترة الوباء، احتفت عدة دول أوروبية بالذكرى الـ 75 لنهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت فرصة للتأمل في التاريخ والواقع وضرورة تحمل المسؤولية امام البشرية. وفي اتصال أجراه الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذه المناسبة، أكد شي على "ان الصين مستعدة للعمل مع روسيا من أجل الحفاظ بقوة على انتصار الحرب العالمية الثانية والإنصاف والعدالة الدوليين ودعم التعددية وممارستها، وأن تكون دائمًا بانيًا للسلام العالمي ومساهمًا في التنمية العالمية ومدافعًا عن النظام الدولي". وقد ظلت الصين تعمل دائما على النظام الدولي الحالي وتدعو إلى الإصلاح والتحسين لجعل النظام الدولي ونظام الحكم العالمي يتطور في اتجاه أكثر عدلا وانصاف.
"هل يمكن للعالم أن يتحد في وجه هذا العدو المشترك والخطير؟"، هذا السؤال الذي طرحه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس جدير بالتفكير. يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة، ويواجه النظام الدولي فرصا للتحسين والسلام. ولا شك في أن تاريخ الأمم المتحدة واستجابتها ضد تفشي وباء فيروس كورونا الجديد يوفر مصدر إلهام في هذا المجال. ففي ظل نظام دولي عادل وصحي فقط يمكن أن يكون هناك تعاون دولي فعال؛ وفقط من خلال التعاون في مجابهة الوباء، يمكن أن نفتح مستقبلا أرحب للتاريخ البشري.