تعتبر الولايات المتحدة في الوقت الحاضر هي القوة العالمية الأولى، ومع هذا فهي تحتل المرتبة الأولى أيضا عالميا من حيث عدد الإصابات والوفيات جراء فيروس كوفيد-19. لقد تأخرت الحكومة الاتحادية هناك في اتخاذ الإجراءات اللازمة وفشلت في مكافحة الوباء مما تسبب لها في انتقادات شديدة من داخل وخارج الولايات المتحدة.
ومع ذلك، وبالرغم من شدة وطأة الوباء على المواطنين في الولايات المتحدة، إلا أن بعض السياسيين الأمريكيين يفتخرون بالإجراءات التي اتخذتها حكومتهم ويشيدون بفعاليتها، حتى أنهم قالوا إذا استطعنا أن يبقى عدد الوفيات في غضون مائة ألف فسيكون ذلك عملا عظيما. حين قامت الصين بإغلاق مدينة ووهان وتعقيم كافة مقاطعة هوبي، وبدأت في عملية استئناف الإنتاج ببطء، تعرضت حينها لانتقادات كبيرة وطالبوا بالتحقيق معها وألقوا باللوم عليها حتى أنهم طلبوا منها تعويضا. مثل هذا المنطق السخيف يجعل الناس لديهم أسباب كافية للشك في مثل هؤلاء السياسيين الذين لا يسعون إلا إلى تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق، مثل السيد بومبيو الذي لا ينفك عن الكذب والخداع والسرقة في السرّ والعلن.
إن الإجراءات الصارمة والفعالة التي اتخذتها الصين في مكافحة الوباء، حققت نتائج مذهلة، وهي بذلك تستحق لقب "الطالب المتفوق" عن جدارة، وأي صوت عقلاني في المجتمع الدولي لا يجادل في هذا الأمر. وبالتالي فإن حقد السياسيين الأمريكيين على هذا الطالب المتفوق ورغبتهم في الانتقام منه، ما هو إلا دليل على أمراضهم النفسية التي يعانون منها.
ما هو مصدر هذا الاعتلال النفسي إذن؟
إن الذي لا يعرف ما سيخسره فهو بالتأكيد لن يخاف، هذا هو المصدر الأول. في الإحاطة التي يقدمها البيت الأبيض ووزارة الخارجية، لا يوجد للسياسيين البارزين خلفية مهنية أو خبرة علمية كثيرة، فكل حديثهم مجرد هراء فقط، من قبيل "حقن جسم الإنسان بمواد التطهير يمكن أن يمنع الفيروسات" إلى غير ذلك من الأكاذيب والعبارات المبتذلة. في الآونة الأخيرة، فضل مصنع الشائعات عن "ماركة بومبيو" بشكل خاص القول بأن "مختبر ووهان هو الذي تسبب في تسرب الفيروس". ومع ذلك فقد جاءت الأخبار من مكتب مدير المخابرات الوطنية والمخابرات المشتركة لرابطة العيون الخمسة ومن كبير علماء الأوبئة لدى ترامب التي تؤكد كلها على أن الفيروس لم يتم التلاعب به بشكل مصطنع أو متعمد. من البديهي إذن بأن السيد بومبيو المعروف بكذبه الدائم أحضر معه أسلوب وكالة المخابرات المركزية الخاص إلى وزارته الموقرة.
المصدر الثاني هو الدافع الخفي. منذ بداية تفشي الوباء في الولايات المتحدة، تجاوز عدد الموتى جراء الفيروس في غضون أكثر من شهر بقليل عدد القتلى في حرب فيتنام. يعرف بعض السياسيين بأن إجراءات مكافحة الوباء في بلادهم سلبية وبالتالي سيرفضهم الناخبون، لذلك بذلوا قصارى جهدهم لافتعال المشاكل وقلب الأمور رأسا على عقب ومحاولة العثور على كبش فداء، وبما أنهم يكنون الحقد الدفين للصين، فإن أنسب وأسهل حل بالنسبة لهم هو إلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية كل شيء. أما آلاف الأشخاص الذين يفقدون أرواحهم يوميا فيغضون عنهم الطرف ويتجنبون الحديث عنهم.
أما المصدر الثالث، فيرجع إلى الأخلاق السياسية التي ليست لها حدود دنيا: على الساحة السياسية في واشنطن، يمكن أن يتحول مديح الأمس إلى هجوم وهجاء في اليوم الثاني، كما يمكن التفوه بكل شيء غير صحيح. إن الأبطال الذين يتباهون يوميا أمام عدسات المصورين تم انتقادهم على نطاق واسع من قبل الرأي العام، لكنهم لا يزالون مهووسين بالأضواء وعنيدين. فحسب رأيهم ما الداعي لأن يكونوا شرفاء ونزيهين؟ ما هو الحد الأدنى للأخلاق؟ ما الخطأ في أن تكون عديم الضمير لتحقيق أغراضك السياسية؟
وممثلا لكل صوت شريف، تساءل جيفري ساكس، الاقتصادي الشهير في جامعة "أليس لديكم أي شعور بالخجل"؟
بالنظر إلى افتعال هؤلاء السياسيين الأمريكيين إلى كل هذه المشاكل، نخشى أن تكون الاعتبارات الأكثر تعقيدا مخفية تحت مظلة التهكم والسخرية. ومن بينها حسابات لآفاق انتخابات نوفمبر المقبل على أمل أن تلعب دورا خارجيا صارما في وقت لم تتحد فيه بعد توجهات الناخبين. هناك تأثير جذري على النظرة الاستراتيجية للصين والأمل في استخدام الوباء لتعزيز ما يسمى بالتهديد الصيني، تفضيل الأحادية وإعطاء الأولوية لسياسة خارجية قوية، والأمل في تعزيز "فصل" الصناعات أثناء هذه الأزمة العالمية وخفض المسؤوليات تجاه المؤسسات الدولية متعددة الأطراف.
لكن، من الغريب جدا أن أهم الكلمات الرئيسية مثل "مكافحة الوباء" و"إنقاذ الأرواح"، لا يمكن العثور عليها في دفتر حسابات السياسيين. وبالتالي، يكمن وراء الأمراض النفسية لهؤلاء السياسيين منطق الدم البارد الذي تقشعر له الأبدان.
لكن للأسف لا يزال أداءهم المبتذل يخدع الكثير من الأمريكيين وهذا شيء غريب بعض الشيء. ولكن عندما نفكر في الأمر فمن البديهي بالنسبة لهم أن يمتلكوا الموارد العامة ويتلاعبوا بالرأي العام عن عمد، ويتجاهلوا الضمير الإنساني ويستهلكوا مقدرات الشعب وخيرات البلاد في أنانية لا مثيل لها.
وهذا طبعا ليس مفاجئا!