بكين 5 سبتمبر 2018 / لفت العالم العربي أنظار مختلف الأوساط الصينية للمرة الثانية بالعام الجاري بفضل الفرصة السانحة التي أتاحتها قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني الافريقي (فوكاك).
وفي يوليو الفائت، احتفيت الصين بحدث سياسي ضخم حيث انعقد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في اليوم العاشر من ذات الشهر بحضور كبير من الجانب العربي. وبعد 54 يوما فقط، التقى الصين والاخوة العرب مرة أخرى بمناسبة عقد قمة بكين 2018 لمنتدى فوكاك.
وبات من الواضح أن الدول العربية تتحلى بميزة فريدة فيما يخص تطوير العلاقات مع الصين. وفي المقابل، أعارت الصين اهتماما لزيادة التبادل والتعاون مع الجانب العربي في إطار المنتديين الرئيسيين، الأمر الذي يضيف زخما مستمرا للعلاقات الثنائية ويثبت أن الشركاء العرب يتمتعون بمكانة هامة في الأعمال الدبلوماسية للصين.
ومنذ انطلاقه في عام 2004، لعب منتدى التعاون الصيني العربي دورا لا بديل له في دفع تطور العلاقات الثنائية حيث تم تشكيل عدة آليات للحوار والتعاون بين الجانبين في إطار المنتدى، الذي يعد آلية ثنائية مهمة بين الصين والدول العربية تزيد من أداء وفعالية التناسق بين الجانبين.
ودخلت العلاقات الصينية العربية مسارا سريعا بعد الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقد في يونيو 2014 ببكين حيث ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ كلمة رئيسية في مراسم افتتاح الاجتماع وطرح فيها معادلة جديدة للتعاون الثنائي تتمثل في "1+2+3".
وفي هذا الصدد، بلغ حجم التبادل التجاري الصيني العربي نحو 200 مليار دولار أمريكي في عام 2017 بزيادة 11.9% على أساس سنوي فيما وجهت الصين استثمارات مباشرة بقيمة 1.26 مليار دولار أمريكي في الدول العربية. واستوردت الصين 157 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2017 ، مشكلا 37% من اجمالي الواردات النفطية الصينية.
وفي الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى، تم اقامة الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية التي تتمتع بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل. ولن تكون هذه العلاقات الجديدة حبرا على ورق حيث ألقى الرئيس شي خطابا يزخر بمعلومات جوهرية وخطط طموحة لبناء هذه الشراكة.
وفعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس شي عن إطلاق "خطة خاصة لدفع إعادة الإعمار الاقتصادي المدعومة بالنهضة الصناعية" في الدول العربية وتقديم الصين قروضا بقيمة 20 مليار دولار أمريكي لتعزيز التعاون مع الدول التي تحتاج إلى إعادة الإعمار. بينما دعا شي إلى العمل على إنشاء الممر الاقتصادي الأزرق وبناء مركز للتعاون البحري وتطوير الصناعة البحرية بين الجانبين. كما سينشئ الجانب الصيني رابطة البنوك الصينية والعربية وسيزودها بقروض خاصة للتعاون المالي بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي لتوسيع التعاون الثنائي في الطاقة الانتاجية.
ولا ريب أن الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي رسم خارطة طريق جديدة للتعاون الصيني العربي الثنائي.
وبالتزامن مع الدور البارز لمنتدى التعاون الصيني العربي، أضفى منتدى التعاون الصيني الافريقي حيوية متزايدة على سجل العلاقات الصينية العربية. فمنذ قمة جوهانسبرج لمنتدى فوكاك في عام 2015، عملت الصين على تنفيذ "خطط التعاون العشر" بينها وبين افريقيا. وفي هذا الإطار، أحرز التعاون بين الصين والدول العربية الافريقية تقدما ملموسا في شتى المجالات.
ففي العام 2016، شرعت الصين ومصر في تفعيل تدشين المرحلة الثانية لمنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني المصري التي تعد واحدة من أهم مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري الخارجية للصين. وفي عام 2017، فازت شركة صيينة بالتعاون مع شركة مغربية ببناء مشروع برج الرباط الذي سيصبح أعلى مبنى أفريقي بارتفاع 250 مترا. ومن ثم أرسلت الصين بنجاح قمرا اصطناعيا جزائريا للاتصالات إلى المدار في أواخر ذات العام.
أما في العام 2018، فتم تأسيس المركز الصيني العربي لنظام بيدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية في تونس. والواقع لن تنحصر إنجازات التعاون الصيني العربي على هذه المشروعات بل امتدت إلى مجالات متنوعة مثل الطاقة النووية والزراعة والطرق والسكك الحديد والموانئ وغيرها.
ولا شك أن قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني الافريقي تعد فرصة جديدة لتعميق وتنويع التعاون الصيني العربي الافريقي، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ وغيره من قادة الدولة بعدد من القادة العرب في بكين وتوصلوا إلى توافق أوضح وأوسع بشأن تطوير العلاقات الثنائية.
ففي محادثات عقدها الرئيس شي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تعهد بأن الصين ستواصل دعم مصر في جهودها للحفاظ على الاستقرار وتنمية الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الشعب. وأكد شي والسيسي مجددا على النية الثنائية في بناء الحزام والطريق.
وفي لقائهما قبيل افتتاح قمة بكين، توصل الرئيس شي ونظيره السوداني عمر البشير إلى تقوية التعاون الثنائي في إطار الحزام والطريق، حيث قال شي إن الصين ترحب بمشاركة السودان في بناء الحزام والطريق وتريد استغلال هذه الفرصة في دعم التعاون في مجال الطاقة بين البلدين وخلق نموذج جديد للتعاون في مجال الزراعة، بما يغطي السلسلة الصناعية كاملة.
بدوره، أكد البشير أن السودان تدعم مبادرة الحزام والطريق واقتراح بناء مجتمع صيني افريقي أقوى ذي مصير مشترك.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس شي ألقى كلمة هامة بعنوان ((يدا بيد نحو المصير المشترك والتنمية المشتركة)) يوم 3 سبتمبر الجاري في الجلسة الافتتاحية لقمة بكين 2018 لمنتدى فوكاك، توضح أفقا أكثر اشراقا للتعاون الصيني الافريقي. ومن أجل بناء مجتمع مصير مشترك بين الجانبين، ستتخذ الصين مجموعة من الاجراءات الرئيسية لدفع التنمية الافريقية الشاملة حيث قررت الصين إقامة معرض صيني إفريقي للاقتصاد والتجارة في الصين وتشجيع الشركات الصينية على توسيع الاستثمار في افريقيا وبناء وتطوير دفعة من المناطق الاقتصادية والتجارية في افريقيا.
كما تصمم الصين على دعم افريقيا لتحقيق الأمن الغذائي بشكل عام بحلول عام 2030 ووضع وتنفيذ تخطيط التعاون والبرنامج التنفيذي الصيني الافريقي لتحديث الزراعة. بينما قررت استيراد المزيد من البضائع الافريقية وتنفيذ 50 مشروعا لتسهيل التجارة في افريقيا، فضلا عن تطبيق 50 مشروعا لافريقيا للتنمية الخضراء وحماية البيئة الإيكولوجية.
ولا يخفى على أحد أن الدول العربية الأفريقية تتمتع بفرصة تاريخية جديدة بشأن تعميق التعاون مع الصين لدفع التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب، مما يخدم مصلحة العالم العربي ككل.
وأثناء لقائه الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد، دعا الرئيس شي الجانبين إلى تعزيز التعاون في إطار كل من مبادرة الحزام والطريق، ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي، ومنتدى التعاون الصيني العربي، الأمر الذي يعكس أن القيادة الصينية على دراية بأهمية تعزيز العلاقات الصينية العربية في إطار المنتديين.
وتعد العلاقات الصينية العربية جزءً هامًا ومرآةً للعلاقات الخارجية الصينية مفاده أن الصين حريصة على إجراء التعاون والتبادل مع مختلف دول العالم على أساس الثقة المتبادلة والمساواة والفوز المشترك. وباستعراض الانجازات التي تحققت والمخطط تحقيقها بين الجانبين الصيني العربي، نجد أن العلاقات الثنائية لها أهمية خاصة لصيانة النظام العالمي السليم.