تتوجه الأنظار عالميا في الآونة الأخيرة نحو المذكرة الأمريكية التي تعتزم فرض تعريفات جمركية على الصين، الأمر الذي هز العالم، نظرا لأنها قد تتسبب في إحداث تأثير أحجار الدومينو من الحمائية وحتى الحرب التجارية.
ويمكن للمذكرة، التي وقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي على الرغم من معارضة دوائر الأعمال والصناعة في الداخل، فرض تعريفات جمركية على ما يصل إلى 60 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية وقيودا على الاستثمارات الصينية.
ولن تساهم الخطوة غير الحكيمة، التي يُزعم بأنها تهدف إلى حماية المصالح القومية الأمريكية وحماية الصناعة الداخلية وخفض العجز التجاري مع الصين، إلا بتهديد جعل أمريكا أضعف اقتصاديا، بدلا من جعلها "عظيمة مرة أخرى".
وعلى الرغم من وجود عجز تجاري ضخم على ما يبدو مع الصين، فقد نمت صادرات الولايات المتحدة بمعدل أعلى نسبيا من الواردات في السنوات الأخيرة.
ووفقا للجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأمريكية-الصينية، فإنه في الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين 80.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 15 في المائة على أساس سنوي. وهو ما يشكل ضعف معدل النمو للواردات من الصين البالغ تقريبا 8.3 في المائة.
ومقارنة مع بيانات عام 2001، وهو العام الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية، شهدت صادرات الولايات المتحدة زيادة بمقدار ستة أضعاف تقريبا بحلول نهاية العام الماضي، في حين نمت وارداتها من الصين بمقدار أربعة أضعاف تقريبا.
وإذا نظرنا إلى التجارة في الخدمات، الفئة الأخرى إلى جانب البضائع، فإن الولايات المتحدة تتمتع بفائض تجاري مع الصين، وصلت ذروته إلى 37 مليار دولار في عام 2016، مدفوعة بزيادة في السياحة الخارجية الصينية.
هذه ليس سوى بعض الأرقام التجارية. وفي مشاريعها المشتركة مع الصين، عادة ما تحصل الشركات الأمريكية ذات سلاسل الإنتاج المتعددة الجنسيات مثل ((آبل)) و((جنرال موتورز)) على أكبر شريحة من الكعكة. والصين ليست سوى رابط في السلسلة العالمية لتوريد وتصنيع وتجميع أجزاء مصممة من قبل فرق أمريكية المنشأ. وحقيقة أن حساب بيانات التجارة الذي يعزو معظم القيمة للصادرات الصينية ليس صحيحا ولا عادلا.
وعلى المستوى الفردي، لدى المستهلكين الأمريكيين العاديين المزيد من الخيارات لمنتجات ذات نوعية جيدة بأسعار أفضل وذلك بفضل الواردات من الصين. ولا تشمل هذه الواردات فقط المنتجات النهائية التي تمتلك الصين مزايا نسبية في تصنيعها فحسب، وإنما أيضا السلع الصينية الوسيطة التي تستخدم مجموعة واسعة من الصناعات الأمريكية لإنتاج منتجات أكثر تنافسية وتقديم خدمات مجتمعية أفضل في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والاستجابة لحالات الطوارئ.
علاوة على ذلك، دعمت العلاقات الاقتصادية الثنائية ما يقرب من 2.6 مليون وظيفة بالولايات المتحدة، من بينها ما يقرب من 104ألف وظيفة تم إنشاؤها من قبل الاستثمار الصيني، وفقا لما ذكره مجلس الأعمال الأمريكي-الصيني.
ولن تعيق تعريفات ترامب المزمعة فقط الرفاه الاقتصادي الأمريكي والتقدم المستمر وتثقل كاهل شعبه بتكاليف معيشة أعلى فحسب، بل أنها تشكل أيضا تهديدا خطيرا للنظام التجاري العالمي الحالي.
ويبدو أن واشنطن قد فشلت في الاحتفاظ ببرودة أعصابها حينما تكون منشغلة بتأجيج ما يسمى "العدوان الاقتصادي" من الصين. يجب أن تدرك أن الخيار الصحيح الوحيد هو حماية العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة مع الصين وتجنب الوصول إلى وضع غير مربح للجميع.
وقد تلحق التعريفات التي يتم التلويح بها، في حال فرضها، الضرر بالصين. ومع ذلك، فإن الضرر سوف يتم على حساب المصالح الأمريكية الهائلة.