بكين 8 نوفمبر 2016 /يتوجه الأمريكيون اليوم (الثلاثاء) إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد لبلادهم في وقت تمزق فيه الحروب عدة بلدان بمنطقة الشرق الأوسط. ورغم صعوبة التكهن بنتائجها في الوقت الراهن، إلا أن الأمر المؤكد يكمن في أن الولايات المتحدة لن تقلع عن إدمانها استخدام القوة في الخارج مهما كان الفائز في السباق إلى البيت الأبيض، علاوة على أن الصراعات الدامية التي يشهدها العراق وسوريا لن تتوقف قطعا مع صعود هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب إلى سدة الحكم.
ومن الملاحظ للعيان أن مرشحي الرئاسة كلينتون وترامب يتفقان، رغم تباين مواقفهما إزاء العديد من المسائل خلال حملتيهما الرئاسيتين، على عزمهما تصعيد حروب دائرة أو شن حروب جديدة ويتجاهلان ما تجلبه هذه الحروب من خزى وعار على بلدهما وما يتمخض عنها من أوضاع فوضوية خارجها. وفي هذا الصدد،وصفهما أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سان فرانسيسكو ستيفن زونيس بأنهما أشبه بـ"سم ذي فعالية مختلفة".
وتشير البيانات الصادرة عن أكاديمية السياسة الخارجية البحثية الأمريكية إلى أن ما يشترك فيه كلينتون وترامب هو اتفاقهما على محاربة تنظيم الدولة )داعش( من خلال تأسيس تحالف غربي ــ عربي مشترك وفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا وتكثيف القصف الجوي في البلدين، بينما يتمثل الاختلاف بينهما فى توجه كلينتون إلى شن حرب بالوكالة ودعوة ترامب إلى نشر مزيد من القوات البرية في سوريا والعراق بشكل مباشر.
وفي الواقع، لا يقتصر الأمر على كلينتون وترامب فحسب، فقبلهما تحول الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، والذي برز على الساحة السياسية الأمريكية بمعارضته للحرب التي شهدها العراق عام 2003 وحاز على جائزة نوبل للسلام لاحقا لموقفه هذا، تحول أيضا إلى "قائد حرب" بمجرد أن أمسك بزمام مقاليد الرئاسة. وقد يكون أوباما هو الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي الذي انخرط يوميا في الشؤون العسكرية الخارجية خلال فترتيه الرئاسيتين.
ومع خوض الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لحروب في شبه الجزيرة الكورية وفيتنام والخليج وكوسوفو وأفغانستان بالإضافة إلى العراق وقيامها بدور كبير في صراعات تشهدها ليبيا وسوريا، يتبين جليا أن إدمان القوة ليس نابعا من إرادة القادة الأمريكيين وإنما هو متغلل بعمق في النظام الأمريكي. إذن لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها نموذجا دبلوماسيا غربيا تجاوز مثل هذا الخلل النظامي لكي تسهم في تسوية الصراعات وإحلال السلام في العالم؟
في الحقيقة، يقبع وراء عدم استطاعة الولايات المتحدة الإقلاع عن هذا الإدمان تكتل ذي مصالح سياسية. فمن المعروف أن اللوبي العسكري الصناعي واسع النفوذ تشكل في الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهمه الأساسي هو جنى أرباح من وراء الحروب والإنخراط في سباق تسلح، حيث يقدر بأن ما يزيد على ثلث الشركات الأمريكية ترتبط ارتباطا لا ينفصم عن الإنتاج الحربي.
كما أشار تقرير صادر عن معهد دراسات السياسات الدولية ومقره نيويورك إلى أن الولايات المتحدة هى المورد الرئيسي للأسلحة في أكثر من 40 نزاعا إقليميا جاريا في العالم من بين إجمالي النزاعات التي يتجاوز عددها 50. فهناك "ناطقون" باسم مجموعات المصالح المرتبطة بشركات الصناعات العسكرية داخل الولايات المتحدة سواء في الحكومة أو في الكونغرس. ويدافع هؤلاء الساسة عن تلك المجموعات ويسوقون لها في الوقت الذي يتقاضون فيه منها مبالغ مالية لتمويل حملاتهم الانتخابية، وهيلاري وترامب ليسوا استثناء.
ووراء عدم استطاعة الولايات المتحدة التخلص من إدمان الحرب يقبع "الفكر الإمبريالي" النابع من عقلية الهيمنة. فبعد الحرب العالمية الثانية، صار الحفاظ على "قوة عسكرية لا مثيل لها" سياسة أساسية للولايات المتحدة حيث أوضح باراك أوباما في خطاب ألقاه عند توليه مهام الرئاسة عام 2009 أن "ضمان امتلاك الولايات المتحدة لأقوى قوة لعسكرية على كوكب الأرض" مسألة تحمل أهمية بالغة بالنسبة لبلاده. وإنه لن يخرج عن المسار في هذا الصدد.
وأعربت هيلاري كلينتون عن ثقتها في تقوية علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها واعتماد الأفكار الدبلوماسية والعسكرية "بقوة مرنة"، بينما أعلن ترامب أنه سيزيد من ميزانية الدفاع الوطني فور توليه منصب الرئاسة للتركيز على توسيع القوة الأمريكية. ووفقا للإحصاءات الرسمية الأمريكية، نشرت الولايات المتحدة أكثر من 900 قاعدة عسكرية رسمية أو غير رسمية في 46 دولة ومنطقة في العالم. فمهما كان صاحب البيت الأبيض القادم، لم ولن يتغير"الفكر الإمبريالي" في أذهان الولايات المتحدة والمتمثل في تعزيز التسلح والسيطرة على الموارد الإستراتيجية وإحتواء الخصوم الإستراتيجيين وضمان هيمنتها العسكرية في العالم.
علاوة على ذلك، فإن عدم استطاعة الولايات المتحدة التخلص من إدمان الحرب كان السبب وراء العواقب الوخيمة التي نتجت عن تدخلها العشوائي في شؤون الآخرين. ففي السنوات الأخيرة، أرسلت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية جنودها إلى أفغانستان والعراق وتدخلت عسكريا في ليبيا وسوريا، وزعمت أنها كانت تساعد هذه الدول في بناء "دول ديمقراطية"، ولكنها في الحقيقة فتحت "صندوق باندورا" لتخرج منه كوارث ليس لها من آخر. ولم ينته الأمر بالدول النامية التي حاولت استنساخ النظام الغربي سوى بـ"ديمقراطية الجوع والفقر والاضطرابات والدماء".
ولنضرب بالعراق مثالا على ذلك، فبعد حادثة 11 سبتمبر الإرهابية، دفعت الولايات المتحدة "خارطة طريق الشرق الأوسط الكبير" واتخذت من العراق اختبارا لمشروعها. ولكن حتى وقتنا هذا، لم يشهد العراق أى ديمقراطية ويعيش وسط نزاعات طائفية وتناقضات قومية وأعمال عنف إرهابية فضلا عن صعود تنظيم (داعش) وتأثيراته السامة بعيدة المدى.
إن النظام هو العامل يحدد ما تكون عليه الشخصية. فالساسة الأمريكيون المنقوعون في النظام الغربي، لن يتخلوا عن الفكر الإمبريالي وعقلية الهيمنة، بل سيورثونهما للأجيال القادمة ويسعون إلى تطويرهما، ومن ثم لن يتغير نهج الولايات المتحدة الذي يحمل صفة "الديمقراطية في الظاهر والتدخلية في الباطن" سواء أصبح الرئيس الجديد في البيت الأبيض هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب.