تحول انتباه العالم في الاسابيع الاخيرة من جديد صوب القضية السورية مع اعلان وزارة الخارجية الصينية عن أن وفدا يمثل الائتلاف السورى المعارض سيقوم بزيارة الصين خلال الفترة من 5 الى 8 يناير الجاري، تأتى تلبية لدعوة من معهد الشعب الصينى للشئون الخارجية، وبالرغم من أن هذه ليست المرة الاولى التي تزور فيها المعارضة السورية الصين ، ولكن ما يميز الزيارة هذه المرة هو انها جاءت مباشرة بعد الزيارة التي قام بها وليد المعلّم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين الى الصين مؤخرا. فماذا وراء التحرك الصيني الاخير، ودعوة أطراف النزاع في سوريا بزيارات متعاقبة الى بكين؟
صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال حضور المحادثات الدولية السورية يوم 18 ديسمبر 2015 في نيويورك ، أن الصين ستدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة لزيارة بكين، وذلك من أجل مواصلة تعزيز محادثات السلام ولعب دور بناء في دفع عملية التسوية السياسية لقضية سوريا. وقد قام وليد المعلّم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين بزيارة رسمية الى الصين خلال الفترة 23 -25 ديسمبر 2015، وحققت الزيارة نتائج لافتة، حيث قامت الحكومة السورية لأول مرة بالإعلان عن ترحيبها بقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وصرحت علنا ولأول مرة عن استعدادها لإجراء محادثات مع المعارضة برعاية الامم المتحدة. كما اعربت عن رغبتها في السعي لتعزيز وقف اطلاق النار، والتعاون مع المجتمع الدولي في مد الشعب السوري بالمساعدات الانسانية . كما اعربت الحكومة السورية عن تطلعها الى اتخاذ المجتمع الدولي لتدابير ملموسة في اقرب وقت ممكن لإعادة بناء الاقتصاد السوري ولضمان تنفيذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة بمكافحة الارهاب.
ويعتقد وانغ جينغ ليه باحث في شؤون الشرق الاوسط بمعهد دراسات غرب اسيا وشمال افريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن التحرك الصيني الاخير يؤكد التزامها بموقفها االثابت والواضح من القضية السورية بالسعى للتوصل لتسوية سياسية لها وبمواصلة الاتصالات والتنسيق والتعاون مع جميع الأطراف ذات الصلة.
وقد اثار تصويت الصين مرارا وتكرارا ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشان سوريا غضب امريكا وأوروبا سابقا. وأشار تشو شينغ، مدير معهد الصين للدراسات الدولية، الى أن موقف ومبدأ الصين بشأن القضية السورية ثابت وواضح ولن يتغير، وتلتزم الصين دائما بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وتدعو الى تسوية النزاعات بالوسائل السلمية. ويعتقد وانغ جينغ ليه، أن اصرار امريكا وأوروبا على اسقاط نظام بشار الاسد له لون ايديولوجي قوي، والصين ليست بحاجة الى ان تحذو حذوهم. علاوة على ذلك، فإن دعوة الصين ممثلين عن الحكومة والمعارضة السورية لزيارة الصين يثبت موقف الصين النشط في شؤون الشرق الاوسط وتلعب دورها كدولة مسؤولة كبيرة.
وقال وانغ جينغ ليه، أن امريكا ودول غربية اخرى اساسا وراء تفاقم الازمة السورية ، بهدف القضاء على القوى المعادية. وقد استمرت الازمة السورية ما يقرب من خمس سنوات ادت الى تدمير البلاد، وتعيش سوريا اليوم اوقات صعبة، ولولا التحريض الامريكي والأوروبي لما آلت اليه حال سوريا. وبالنظر الى الوضع الداخلي في سوريا فإن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بين عشية وضحاها ، وبحاجة الى توفير الكثير من العوامل. وبالتالي، اصرت الصين على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد، وبذل الجهود لتعزيز الحوار بين الطرفين، وفي الوقت الذي تحاول فيه امريكا وأوروبا تدمير البلد، تسعى الصين الى مساعدة سوريا للتغلب على خلافاتها، وهذه اكثر الممارسات التي تخدم مصالح الشعب السوري.
اجتمع وزير الخارجية الصينى وانغ يي مع نظيره البريطاني فيليب هاموند فى بكين يوم 5 يناير الجاري، وأكدا في بيان مشترك بريطاني- صيني حول سوريا التزامهما المشترك بالتوصل لتسوية سياسية في سوريا، وأن يقرر الشعب السوري مستقبل سوريا، على أن تلعب الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي.
كما أولت وسائل الإعلام الدولية اهتماما كبيرا بدعوة الصين لممثلي الحكومة والمعارضة السورية لزيارة بكين.
ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء يوم 4 يناير الجاري، أن رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يدعمه الغرب سيقوم بزيارة الى الصين هذا الأسبوع مع سعي بكين لتعزيز علاقاتها مع كل أطراف الصراع والمساعدة في التوصل الى حل سلمي.
وذكرت صحيفة الشرق الاوسط على موقعها الرسمي يوم 5 يناير الجاري ، أن الصين دخل خط مساعي المجتمع الدولي الرامية لإنقاذ الوضع المتأزم في سوريا والتوسط بين اطراف النزاع. فبعد نحو اسبوعين على زيارة وزير الخارجية السوري الى الصين، سيزور رئيس " الائتلاف" المعارض الى العاصمة الصينية بكين يوم 5 يناير.
كما ذكرت صحيفة " بريكس بوست" في تقرير نشرته يوم 5 يناير الجاري، أن الصين تعمل مع العديد من الدول الاخرى لوضع حد للحرب في سوريا، التي استمرت ما يقرب من خمس سنوات ادت الى سقوط 250 ألف قتيل، وما يزيد على 11 مليون شخص بلا مأوى.
وذكرت وكالة إيتار تاس الروسية للأنباء عن زيارة وزير الخارجية السوري الى أن الخبير الروسي في شؤون الصينية فينوغروسكي يعتقد أن التوقيت التي اختارته الصين للمشاركة في التوسط في الازمة السورية ملائم جدا.