بكين 2 أكتوبر 2020 (شينخوا) مع مواجهة العالم لتحديات خطيرة مثل جائحة متفشية وركود مستمر وانعزالية متزايدة وهيمنة متصاعدة، تمثل السلسلة الأخيرة من اجتماعات الأمم المتحدة رفيعة المستوى أحدث مسعى من العالم إلى إيجاد طريق للبشرية للمضي قدما.
في الخطب المتعددة التي ألقاها في أهم منصة دولية، شرح الرئيس الصيني شي جين بينغ نهجه في معالجة المسائل الأساسية للعصر ورؤيته بشأن اتحاد جميع الأمم التي تتشارك الكوكب لبناء مستقبل مشترك أفضل.
وقال في المناقشة العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة إن "السلام والتنمية يظلان الاتجاه الأساسي للعصر، والناس في كل مكان يتوقون بصورة أشد إلى السلام والتنمية والتعاون القائم على الفوز المشترك"، مضيفا أن "كوفيد-19 لن يكون آخر أزمة تواجهها البشرية، لذلك علينا أن نتعاون ونكون مستعدين لمواجهة المزيد من التحديات العالمية".
وذكر ستيفن بيري، رئيس مؤسسة ((نادي مجموعة 48)) البريطانية، إن الزعيم الصيني لفت انتباه العالم أجمع بخطة ورؤية لكيفية العمل، مشيرا إلى "أنه منارة أمل في لحظة مظلمة يمر بها الكوكب. وآمل أن يتمكن من ضم قادة وطنيين آخرين إليه والتركيز على جعل العالم يعمل بشكل صحيح".
-- التعددية كمبدأ أساسي
في منعطف تاريخي قبل 75 عاما، تم تأسيس الأمم المتحدة، التي تعد مثالا للتعددية، في أعقاب ويلات حربين عالميتين وذلك بهدف الحفاظ على السلام الدائم وتعزيز التنمية المشتركة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في افتتاح الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة "اليوم، نواجه لحظة مررنا بها عام 1945"، محذرا من مواجهة جديدة نظرا لكون النظام متعدد الأطراف، وهو أساس العولمة والتكامل، معرضا لمخاطر وتحديات بارزة مثل الانسحاب من المعاهدات والممارسات العسكرية وممارسات البلطجة الاقتصادية.
ولدى إشارته إلى أن السنوات الـ75 الماضية كانت فترة تطور سريع للتعددية، شدد شي في الاجتماع رفيع المستوى الذي عقد احتفالا بالذكرى الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة على أنه "يجب معالجة الشؤون الدولية من خلال التشاور فيما بيننا جميعا".
وقال إن "المشكلات التي تواجه العالم كبيرة ومتعددة والتحديات العالمية في ازدياد"، مضيفا أنه "لا يمكن حلها إلا من خلال الحوار والتعاون".
إن هذا الالتزام بالتشاور القائم على المساواة يعد سمة أساسية للفكر الدبلوماسي للرئيس شي، والمعروف الآن على نطاق واسع باسم دبلوماسية شي. فمنذ توليه مهام منصبه كرئيس للصين في عام 2013، أكد مجددا على هذا المبدأ في العديد من المناسبات الدولية، ودعا بثبات إلى مناصرة التعددية ونبذ الأحادية ومناصرة التعاون القائم على الفوز المشترك ونبذ المواجهة الصفرية.
وفي خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل خمس سنوات، أشار شي إلى أن جميع البلدان مرتبطة ببعضها البعض وتتقاسم مستقبلا مشتركا، ودعا إلى بذل جهود عالمية "لتجديد التزامنا بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة" و"بناء نمط جديد من العلاقات الدولية يتسم بالتعاون القائم على الفوز المشترك".
وعلى مر السنين، أثبتت الصين أنها ليست فقط مناصرا للتعددية وإنما أيضا ممارسا لها ومدافعا عن النظام الدولي المتمركز حول الأمم المتحدة. وإن الصين، وفقا لما ذكره عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في منتدى عقد مؤخرا، انضمت تقريبا إلى جميع المنظمات الحكومية الدولية والاتفاقيات الدولية.
ولدى وصفه الصين بأنها "ركيزة للتعددية"، قال غوتيريش في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا إنه يتوقع من الصين "مواصلة سياساتها الاستباقية لتعزيز العمل العالمي للأمم المتحدة بشأن الحفاظ على السلام والأمن وتشجيع التنمية المستدامة".
-- التنمية المشتركة كمفتاح ذهبي
في ظل التحديات المختلفة التي تؤرق عالم اليوم، تكمن مشكلات إنمائية متنوعة، أصبحت أكثر حدة على خلفية جائحة كوفيد-19 وتأثيرها متعدد الأبعاد.
وقال شي في اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة إنه "ينبغي تسليط الضوء على قضية التنمية في الإطار الكلي العالمي؛ وينبغي أن يكون هناك تركيز أكبر على تعزيز حقوق العيش والتنمية وحمايتها".
وأكد مجددا أن الصين ملتزمة بالتنمية السلمية والمنفتحة والتعاونية والمشتركة، مرددا تصريحاته قبل خمس سنوات بأن "التنمية للجميع هي التنمية الحقيقية والتنمية المستدامة هي التنمية الجيدة".
وقال شي "إننا نهدف، بمرور الوقت، إلى تعزيز نموذج تنموي جديد يكون فيه التداول المحلي هو الدعامة الأساسية وتعزز فيه التداولات المحلية والدولية بعضها البعض"، مضيفا أن هذا سيخلق مساحة أكبر للتنمية الاقتصادية للصين وسيضيف زخما لانتعاش ونمو الاقتصاد العالمي.
ولدى تعليقه على تصاعد المشاعر المناهضة للعولمة في السنوات الأخيرة، حذر شي من أن "دفن المرء لرأسه في الرمال مثل النعامة في مواجهة العولمة الاقتصادية أو محاولة محاربتها برمح دون كيشوت يتعارض مع اتجاه التاريخ".
وقد أطلقت الصين، المناصرة للتنمية المشتركة، منصات مثل مبادرة الحزام والطريق، ومعرض الصين الدولي للواردات، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والتي كانت بمثابة بطانة فضية وسط الركود الاقتصادي العالمي الناتج عن الجائحة.
فعلى سبيل المثال، أصبحت مبادرة الحزام والطريق الآن، بعد سبع سنوات من التنمية المطردة، أكبر منصة للتعاون الدولي في العالم، وقدم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي بادرت الصين بإنشائه ما يقرب من 20 مليار دولار أمريكي لـ24 من أعضاء البنك لتمويل إنشاء بنى تحتية خاصة بهم.
ودليلا على التزامها بالتنمية الشاملة، حققت الصين تقدما كبيرا في تعزيز تنمية المرأة. ونالت اعتراف منظمة الصحة العالمية بأنها واحدة من الدول العشر سريعة التقدم في صحة المرأة والطفل. وفي اجتماعات الأمم المتحدة، دعا شي إلى تضافر الجهود "لدعم النساء ومساعدتهن على عيش حياتهن على أكمل وجه".
وفي مقدمة جهود التخفيف من حدة الفقر، وهي أولوية قصوى في ذهن الرئيس شي، تستعد الصين لانتشال جميع سكان الريف الذين يعيشون تحت خط الفقر الحالي من الفقر ضمن الإطار الزمني المحدد، لتقوم قبل 10 سنوات من الموعد المحدد بتحقيق هدف القضاء على الفقر المحدد في أجندة التنمية المستدامة لعام 2030.
وقد وصفت أليسيا بارسينا، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة، حملة مكافحة الفقر في الصين بأنها "إستراتيجية ملهمة"، وقالت إن الصين جعلت من الممكن "تسريع الحد من الفقر على المستوى العالمي".
-- المستقبل المشترك كضوء مرشد
في عالم قال غوتيريش إنه يعاني من "فائض من التحديات متعددة الأطراف وعجز في الحلول متعددة الأطراف"، دعا شي جميع الدول إلى تجاوز الاختلافات في الجنسية والثقافة والأيديولوجيا، والتكاتف لبناء مستقبل مشترك أفضل للجميع.
فقد أصبحت الرؤية المتمثلة في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، والتي قدمت لأول مرة إلى المجتمع الدولي في عام 2013، المفهوم الرئيسي في دبلوماسية شي وموضوعا أساسيا ثابتا في تصريحات شي حول العلاقات الدولية.
ولدى تأكيده على أهمية النظام الإيكولوجي لمستقبل البشرية، اقترح شي أن تتحمل جميع البلدان "مسؤوليتنا السامية تجاه الحضارة البشرية بأكملها، ... وتحقق التوازن والتنسيق بين التنمية الاقتصادية والحماية الإيكولوجية، وتعمل معا لبناء عالم مزدهر ونظيف وجميل".
وفي دليل واضح على تفانيها تجاه تلك الرؤية، تكافح الصين، وهي أول دولة تحملت وطأة جائحة كوفيد-19 وأيضا من أوائل من وضعوا الجائحة تحت السيطرة الفعالة، جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي للتغلب على مرض فيروس كورونا الجديد.
وإدراكا منها بأنه في حالة حدوث جائحة لن يكون أحد آمنًا حتى يصبح الجميع آمنين، أرسلت الصين فرق من الخبراء الطبيين إلى 34 دولة للمساعدة في الوقاية من الجائحة والسيطرة عليها، وقدمت المساعدة لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية.
وفيما يتعلق بتغير المناخ، وهو تحد آخر يهدد مستقبل البشرية بأسرها، أعلن شي في اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة أن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060.
وقالت هيلين كلاركسون، الرئيس التنفيذي لمنظمة ((كلايمت جروب)) ومقرها لندن، في مقابلة أجرتها معها ((شينخوا)) "لا شك في أن الجهود التي تبذلها الصين ستلعب دورا رئيسيا في تشكيل كيفية تقدم بقية العالم في العمل المناخي".