بغداد 18 نوفمبر 2019 (شينخوا) أعطى الموقف المؤيد للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني دعما كبيرا للمتظاهرين العراقيين للاستمرار في احتجاجاتهم التي مر عليها أكثر من 45 يوما، حتى تحقيق مطالبهم وقد تكون الإطاحة بحكومة عادل عبدالمهدي أولى نتائج هذا الدعم.
وانطلقت التظاهرات في الأول من أكتوبر الماضي عندما خرج الآلاف من الشباب الغاضبين إلى الشوارع في العاصمة بغداد وتسع محافظات شيعية جنوبي البلاد للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية وإيجاد فرص العمل للعاطلين ومحاسبة الفاسدين لكن تخللها أعمال عنف ما أدى إلى سقوط ضحايا من المتظاهرين وقوات الأمن.
ورغم سقوط أكثر من 320 قتيلا وأكثر من 15 ألف مصاب، تواصلت التظاهرات والاحتجاجات لكنها رفعت من سقف مطالبها إلى إصلاح العملية السياسية واستقالة الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وفقا لقانون جديد ومفوضية جديدة، بسبب تباطؤ الحكومة في الاستجابة لمطالب المتظاهرين، حسبما يؤكد ذلك المتظاهرون أنفسهم.
وأعلن الرئيس العراقي برهم صالح نهاية أكتوبر الماضي موافقته على إجراء انتخابات مبكرة وأعدت رئاسة الجمهورية مشروع قانون جديد للانتخابات وأرسلته إلى الحكومة، التي بدورها وحدته مع مشروع قانون لديها وأرسلته إلى البرلمان لمناقشته والتصويت عليه.
من جانبها، أجرت حكومة عبد المهدي سلسلة من الإصلاحات تلبية لمطالب المتظاهرين، منها توزيع بعض قطع الأراضي السكنية للعوائل الفقيرة، وتخصيص رواتب لمن لا يوجد لديهم دخل شهري، وتوفير نحو 450 ألف فرصة عمل، وإحالة عدد من المسؤولين المتهمين بالفساد للمحاكم المختصة، وتخفيض الرواتب العليا لكبار المسؤولين، إلا أن ذلك لم يتسبب في تهدئة الشارع العراقي نتيجة فقدان الثقة بين المتظاهرين والحكومة، وتواصلت التظاهرات حتى الآن.
وقال سعد الحديثي المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء لصحيفة ((الصباح)) الصادرة اليوم (الإثنين) "إن مجلس الوزراء يجري في الوقت الحالي التعديلات على الصيغة النهائية لقانون الموازنة العامة لعام 2020 والتي تتضمن جانبين مهمين، أولهما يتعلق بإيجاد التخصيصات اللازمة لتنفيذ الإجراءات التي وعدت بها الحكومة تلبية لمطالب المتظاهرين ذات الصلة بالجانبين المالي والاقتصادي، أما الجانب الثاني فيتعلق بتطبيق قرار تخفيض الرواتب العليا لكبار المسؤولين".
وأضاف أن "تضمين هذين الجانبين في قانون الموازنة يبعث برسالة مهمة إلى المتظاهرين السلميين تبين جدية الحكومة للاستجابة للمطالب المشروعة بتوفير فرص العمل والوظائف وتوفير قطع الأراضي السكنية وتحسين الخدمات".
ودفع استمرار التظاهرات إلى دخول المرجع الشيعي الأعلي علي السيستاني، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الشيعة، على خط التظاهر عندما جدد يوم الجمعة الماضي مساندته للاحتجاجات والتأكيد على الالتزام بسلميتها وإدانته للاعتداء على المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية، مؤكدا أن الحكومة تستمد شرعيتها من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره.
وقال السيستاني في بيان تلاه الشيخ أحمد الصافي وكيل المرجعية بمدينة كربلاء جنوب بغداد بخطبة صلاة الجمعة في انتقاد شديد للساسة العراقيين، " إذا كان من بيدهم السلطة يظنون أن بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا إلى ذلك"، الأمر الذي اعتبره المراقبون بأن السيستاني لم يرض تماما عن أداء الحكومة وطريقة تعاملها مع الاحتجاجات القائمة ويؤيد إجراء إصلاح حقيقي في العراق.
وأكد السيستاني على رفض أي تدخل خارجي في "معركة الإصلاح" بالعراق، محذرا من تحول البلاد إلى ساحة للصراع بسبب التدخلات الخارجية "المتقابلة".
وقال إن "معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون أعباءها الثقيلة ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي اتجاه".
وحذر من أن " التدخلات الخارجية المتقابلة تنذر بمخاطر كبيرة، بتحويل البلد إلى ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين قوى دولية وإقليمية يكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب".
واعتبر أنه "بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، إلا أنه لم يتحقق إلى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الاهتمام به".
ودعا السيستاني إلى الإسراع في إقرار قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية.
كما دعا الى إقرار قانون جديد للمفوضية التي يعهد إليها بالإشراف على إجراء الانتخابات.
ويرى المحلل السياسي ناظم الجبوري "إن حجم الفساد والبطالة المتفشية بين الشباب والمحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية والفوارق التي ابتدعها نظام ما بعد عام ٢٠٠٣ والوعود السابقة التي أعطتها الحكومة والتي لم تنفذ دفع المتظاهرين إلي رفع سقف مطالبهم بتغيير وجوه العملية السياسية وإحالتهم للقضاء".
وقال الجبوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن الاحتجاجات الحالية تختلف جذريا عما حدث بالسنوات الماضية لأنها تأتي هذه المرة من القاعدة الجماهيرية للحكومة وحكومات الظل وهذه المرة الأولى التي يدق فيها ناقوس الخطر بالنسبة للنفوذ الإيراني في العراق، إذ أن القاعدة الجماهيرية الشيعية بالتحديد تعتبر أن من أوصل البلاد لهذا التدهور هو الدعم الإيراني اللا محدود لقادة العملية السياسية".
وأكد الجبوري أن الاحتجاجات الحالية لن تقود لحرب طائفية لأن المتظاهرين يستهدفون السياسيين بكافة طوائفهم ويشعرون بأن ما حدث سابقا من إثارة للطائفية والقتل على الهوية كانت لتغطية فشل السياسيين والتستر على فسادهم.
وشدد الجبوري على أن المتظاهرين مصرون على عدم إبقاء قادة العملية السياسية الحاليين بالمرحلة المقبلة، مبينا أن المحتجين يعتمدون في تكتيكهم على إسماع صوتهم للعالم للضغط على الحكومة لوقف دوامة العنف والذهاب لانتخابات مبكرة للتخلص من كل هؤلاء في حزمة واحدة، خاصة بعد أن حصلوا (المتظاهرون) على دعم واشنطن والمرجعية الشيعية بالإصلاح والتخلص من الفاسدين.
ويطالب المتظاهرون أيضا بإيقاف التدخل الخارجي في شؤون البلاد، وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية والحزبية، وهذا من بين المطالب التي أيدها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، الأمر الذي زاد من ارتفاع أعداد المشاركين في التظاهرات.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي هاشم الشماع عضو مركز العراق للتنمية السياسية والقانونية لـوكالة أنباء ((شينخوا)) إن " الاحتجاجات في العراق انفجرت لأسباب عديدة منها تراكمات أخطاء العملية السياسية على مدار 16 عاما الماضية".
وأضاف عندما تتفجر أزمة معينة لا يبذل الساسة والقوى السياسية أي مجهود بهدف تطويقها وحلها، بل يعمدون على ترحيلها وإهمالها ما ولد لدينا زيادة الأزمات، ومن بين هذه الأزمات، الفساد الإداري والمالي الذي وصل إلى حد لا يطاق، الذي شمل أعلى الهرم السلطوي وصولا إلى القاعدة.
وتابع الشماع "هذه الممارسات حرمت الكثير من الكفاءات والخريجين من لعب دور مهم في خارطة الدولة العراقية ما ولد بطالة مرعبة، ولدت الإرهاب بطريقة غير مباشرة ومنها إن الكتل السياسية وقياداتها كانت تسعى لمصالحها الشخصية ومكاسبها من المال العام، ولم تكن تملك رؤية وتخطيط لقيادة البلد لبر الأمان بعد مرحلة سقوط النظام السابق، بل كان أكبر همها الارتباط الخارجي وكيفية تولي المناصب ".
ومضى الشماع قائلا " بعد الانتفاخ الذي أصاب القوى السياسية من الأموال أخذت تنظر للشعب بنظرة الاستعلاء وعدم الاهتمام، مشيرا إلى أن "جميع هذه الأسباب وغيرها لا سيما الدماء التي قدمها المتظاهرون تجعل من الحراك الشعبي في حال استدامة ولن ينتهي إلا برحيل الفاسدين، نعم التظاهرات لا تستهدف العملية السياسية لكنها تستهدف شكل النظام وإقالة الحكومة التي لم ترتق إلى القيادة وتطبيق حزم الإصلاحات وهذا ما أكدته المرجعية الدينية في خطبتها".
وعن دور المرجعية الدينية في إيجاد مخرج للأزمة، قال الشماع "المرجعية الدينية ومنذ اليوم الأول كانت تتعامل بحكمة مع الأزمة الحالية والتظاهر بحكمة وهدوء كي لا تنزلق الأوضاع للمجهول ونكون مثل سوريا واليمن وليبيا، فهي عملت بتكتيك وصعدت من خطابها تدريجيا حتى منحت الفرصة الفريدة للكتل، إلا أنها أضاعت (الكتل) هذه الفرصة، وعليه أعتقد أن المرجعية سيستمر في دعم التظاهر حتى النهاية طالما يحمل طابع السلمية".