30 سبتمبر 2019/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ شهدت العلاقات الصينية ـ الشرق أوسطية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية 1949، محطات تاريخية ساهمت في تعزيز العلاقات بين الجانبين في كافة المجالات، وتتلخص اللحظات الساطعة في ذاكرة تاريخ العلاقات الصينية ـ الشرق أوسطية على مدار 70عاما منذ تأسيس الصين الجديدة إلى سبعة لحظات: ـ
رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي والرئيس المصري جمال عب الناصر
أولا
كان أول اتصال مباشر بين قادة الصين الجديدة والدول العربية، عندما التقى رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك شو ان لاي مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن عبد العزيز في مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز سنة 1955، حيث فتح الباب أمام الصين الجديدة للتفاعل مع دول الشرق الأوسط. وقال جمال عبد الناصر في ذلك الوقت:" إن العقوبات الغربية تسببت في تكدس القطن المصري". ورد عليه تشو إن لاي بابتسامة:" إن الصين بها عدد كبير من السكان، وأن زيادة بوصتين من القماش في لباس كل شخص يكفي لشراء جميع القطن المصري". منذ ذلك الحين، تكونت بين الزعيمين صداقة شخصية عميقة. وفي عام 1956، اتخذت مصر زمام المبادرة في إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين، لتتبعها العديد من الدول العربية مثل سوريا واليمن والعراق والجزائر. وفي عام 1958، قام محمد البدر بن حميد الدين، ملك ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع اليمني بزيارة الصين، ولأول مرة استقبلت الصين الجديدة قادة الدول العربية. وأصبح للشرق الأوسط مكانة مهمة للصين الجديدة لكسر العزلة الدبلوماسية واكتساب الدعم الدولي.
الرئيس الصيني ماو تسي دونغ والأمير محمد البدر بن حميد الدين في هانغتشو
واليوم، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع جميع دول الشرق الأوسط، ومن بين دول شمال غرب آسيا البالغ عددها 23 دولة، أقامت 15 دولة علاقة استراتيجية أو شراكة مع الصين.
ثانيا:
عقدت بكين في ربيع عام 1964 تجمعًا خاصًا واستقبلت مجموعة من الضيوف الأجانب الخاصين. حيث شارك الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات شخصيا في التجمع الجماعي أقامه الشعب الصيني في العاصمة الصينية لدعم الشعبين الفلسطيني والعربي. وفي العام التالي، افتتحت منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست لتوه ولم تحصل على تقدير المجتمع الدولي مكتبًا في بكين، وكانت أول من حصل على دعم قيم من الصين. لذلك، قال أحمد أسعد الشقير سياسي فلسطيني وأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية بسعادة: "كنا 12 شخصًا عندما أتينا إلى بكين و700 مليون عندما غادرنا".
الرفيق دنغ شياو بينغ يلتقي مع ياسر عرفات
تدعم الصين دائما القضية العادلة للشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. ومنذ أكثر من نصف قرن، كانت الصداقة بين الصين وفلسطين قوية، ويتركز قلب الصين في سلام في الشرق الأوسط، وقد لقيت الجهود المبذولة لتعزيز تسوية القضية الفلسطينية مدحا على نطاق واسع من قبل دول المنطقة. كما أنشأت الصين بشكل خاص آلية مبعوثة خاصة لقضية الشرق الأوسط، حيث واصل المبعوثون الخاصون من خمسة أجيال التوسط وأقنعوا وعززوا المحادثات بنشاط لإدخال طاقة إيجابية في السلام الإقليمي. وقال الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية نبيل العربي: "الصين هي العضو الرئيسي الوحيد في الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي دعم دائمًا قضية العدالة العربية والبلد الرئيسي الوحيد الذي دعم دائمًا البلدان النامية في العالم الثالث".
ثالثا:
الصين تستعيد مقعدها في الأمم المتحدة
تشهد هذه اللحظة التاريخية على انتصار كبير في تاريخ الدبلوماسية الصينية. في 25 أكتوبر 1971، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبني الاقتراح الذي قدمته كل من الجزائر وألبانيا ودول أخرى. وشهدت جمهورية الصين الشعبية التي تضم ربع سكان العالم عودة رسمية الى الأمم المتحدة واستعادت مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة. وكان 76 صوتا مؤيدا بشكل أساسي من دول العالم الثالث، وساهمت دول الشرق الأوسط والدول العربية بـ 16 صوتا. وفي ذلك الوقت، كان وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هو المخطط الرئيسي للاقتراح. وارتفعت مكانة الصين وتأثيرها الدولي بعد العودة إلى المسرح العالمي بسرعة، وكان هناك المزيد من التبادلات والنطاق مع دول الشرق الأوسط، وقد بدأت العلاقات الاقتصادية والتجارية الضعيفة نسبياً في الماضي تتطور بسرعة.
رابعا:
في نهاية ربيع وبداية صيف 1989، ألقت القوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة، في تجاهل للمعايير المقبولة للعلاقات الدولية، باللوم على الشؤون الداخلية للصين وفرضت عقوبات على الصين، مما أدى إلى موجة معادية للصين في العالم. عندما حاولت الدول الغربية إعادة فصل الصين، قام قادة فلسطين والإمارات العربية المتحدة ومصر بزيارة الى الصين، كما تمت دعوة الرئيس الصيني آنذاك يانغ شانغكون بزيارة لأربع دول وهي مصر والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان. وإن أهمية الاختراق الدبلوماسي في الشرق الأوسط يكمن في كسر الحصار والعزلة الغربية، وكسب الدعم الدولي. واثبتت مرة أخرى الأساس المتين للثقة بين الصين والدول العربية.
بعد 30 عامًا، أصبحت العلاقات بين الصين والإمارات نموذجًا للتعاون الاستراتيجي بين الصين والدول ذات الجغرافية والثقافة والأنماط المختلفة
قدم الرئيس شي جين بينغ شرحًا دقيقًا عن الثقة المتبادلة بين الصين والعرب: "في الرحلة عبر الزمان والمكان، يتعامل كل من الصين والعالم العربي مع بعضهما البعض بإخلاص، وتكوين الأصدقاء على طريق الحرير القديم، والعمل الجاد والنضال في الكفاح من أجل الاستقلال الوطني، ومساعدة بعضهم البعض في رحلة بناء البلاد، وإن هذه الثقة غير قابلة للكسر ولا يمكن شراؤها بالمال."
خامسا:
"في حوالي الساعة الحادية عشرة في بداية شهر مارس من ذلك العام، قابلت الرئيس العراقي آنذاك صدّام حسين عندما زرت العراق. لكن، هذه المرة كان حاملا لمسدس على الخصر، يجعل الناس يشعرون بأجواء الحرب، وخلال
لحظة راحة في منتصف المحادثات التي استمرت ساعتين، أخرج المسدس ووضعه على الطاولة." ذكره تشيان تشييتشن في كتابه " المذكرات الدبلوماسية العشرة". وفي أغسطس 1990، اندلعت أزمة الخليج. حيث أدى غزو العراق للكويت إلى تفجير "برميل البارود" في الشرق الأوسط. وفي ظل هذه الظروف، كانت الصين الدولة الكبيرة الوحيدة التي يمكن أن تتحدث مع الزعماء العراقيين.
وزير الخارجية تشيان تشيتشين يرد على الصحفيين في المطار قبل مغادرة بكين لحضور الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 28 نوفمبر 1990بنيويورك
تعد زيارة وزير الخارجية تشيان تشيتشين إلى الشرق الأوسط أول حركة دبلوماسية هامة من أجل السلام ومنع الحرب بصفة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي منذ تأسيس الصين الجديدة. وسافر تشيان بين مصر والسعودية والأردن والعراق واستمع لآراء جميع الأطراف. "الحفاظ على السلام العالمي هو الهدف الثابت لدبلوماسية الصين وبذل الجهود الممكنة لتجنب الحرب. وبغض النظر عن النتيجة النهائية، فهي أيضًا مساهمة الصين في قضية السلام العالمي." وتصر الصين على البدء من الصواب والخطأ في الأمر ذاته وتعارض بشدة اعتداء العراق، ولم تقف تماما على جانب الغربي والأمريكي، لكن دعاة إلى لتسوية سلمية، ولقد تم فهم هذا النهج وتقديره من قبل جميع الأطراف.
سادسا:
يعد إنشاء منتدى التعاون الصيني ـ العربي خيارًا استراتيجيًا اتخذته الصين والدول العربية للتركيز على التنمية طويلة الأجل للعلاقات الصينية ـ العربية. وفي عام 2004، عُقد الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الصيني العربي في القاهرة بمصر، ومنذ ذلك الحين وصلت العلاقات الصينية ـ العربية إلى مستوى جديد.
وزير الخارجية الصيني لي تشاو شينغ ووزير الخارجية الموريتاني محمد ولد بلال والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في لقاء مع الصحفيين على هامش الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الصيني العربي، المنعقد في عام 2004
نمت شجرة التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية بقوة بعد 15 عامًا من الزراعة المكثفة. ولقد استمعنا إلى الخطاب الهام للرئيس شي جين بينغ في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري، وشهد اقتراح البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" بين الصين والدول العربية وتوقيع "إعلان العمل على البناء المشترك لـ "الحزام والطريق" بين الصين والدول العربية"، والحصول على النتائج المثمرة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية والطاقة والبيئية والأخبار والشؤون المدنية. وقد تم إقامة ثمانية اجتماعات وزارية، و16 اجتماعا لكبار المسؤولين، و5 حوارات سياسية استراتيجية رفيعة المستوى، فتتحسن أكثر من عشر آليات للمنتدى يوما بعد يوم، ما أنشأ جسرا للتعاون الجماعي بين الصين والدول العربية، وتوفير الدعم لتنمية العلاقات الصينية ـ العربية وضخ الحيوية لها استمراريا.
مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره السعودي عادل الجبير والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في لقاء صحفي على هامش الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في عام 2018
في عام 2018، قال الرئيس شي جين بينغ في كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي إن الصين والدول العربية اتفقتا على إقامة شراكة استراتيجية صينية -عربية مستقبلية للتعاون الشامل والتنمية المشترك. وتعد نقطة انطلاق جديدة للجانبين لمتابعة اتجاه العصر والعمل سويًا للمضي قدمًا، كما أنه فتح صفحة جديدة في تطور العلاقات الصينية ـ العربية.
سابعا:
أرسل الجيش المصري ثمانية مقاتلين لمرافقة طائرة الرئيس شي جين بينغ عندما دخلت المجال الجوي المصري 20 يناير 2016. وانتظر الرئيس المصري السيسي في مطار القاهرة الدولي لاستقبال الزعيم الصيني في زيارة الى مصر. وقبل ذلك، كان الرئيس شي جين بينغ قد اختتم لتوه زيارته إلى المملكة العربية السعودية. وقد رافق العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز شخصياً الرئيس شي جين بينغ لزيارة قصر الملك عبد العزيز مؤسس المملكة، كما رقص رئيسا الدولتين مع الجماهير السعودية. وقال مسؤول وزارة الخارجية السعودية، إن هذه المجاملة رفيعة المستوى الاولى من نوعها منذ تأسيس المملكة العربية السعودية.
في عام 2016، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمة في مقر جامعة الدول العربية بعنوان "لخلق مستقبل مشرق للعلاقات الصينية ـ العربية"
خلال هذه الرحلة، زار الرئيس شي جين بينغ المملكة العربية السعودية ومصر وإيران ومقر جامعة الدول العربية، وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها كبار قادة الصين هذه المنطقة منذ الاضطرابات في الشرق الأوسط. وعشية الزيارة، أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران فجأة قطع العلاقات الدبلوماسية من جراء تصاعد النزاع، وأصبح الرئيس شي جين بينغ أول زعيم أجنبي يزور الدولتين في نفس الوقت، ولم تخفف الزيارة الارتفاع المفاجئ لدرجة التوتر في الشرق الأوسط فحسب، بل ورفع العلاقات بين الصين والسعودية وإيران إلى شريك استراتيجي شامل أيضًا. ما تظهر بوضوح الخصائص الصينية، النمط الصيني، الاسلوب الصيني.