بكين 7 مارس 2019 / أولئك الذين يتوقعون مواجهة ومنافسة بين أحزاب سياسية - كما يحدث غالبا في برلمانات غربية- سيصابون بخيبة أمل إزاء "الدورتين السنويتين" المتواصلتين في الصين.
تتطرق الدورة السنوية لكل من المجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، إلى مناقشة كل جانب من جوانب السياسات الرئيسية في الصين، والأهم من ذلك، بحْث سبل إيجاد حلول للمشكلات والتحديات القادمة.
ويقوم المشرعون والمستشارون السياسيون بمراجعة تقرير العمل الحكومي ومناقشته، والذي يعلن عن تدابير لتعزيز النمو الاقتصادي بما في ذلك التخفيضات الضريبية والإصلاحات وتقديم مزيد من الدعم للقطاع الخاص.
وتحظى الدورتان باهتمام واسع من قبَل الجمهور الذي يبحث عن تفاصيل بشأن كيفية وفاء الحكومة بالوعود فيما يتعلق بمكافحة التلوث (السماوات الزرقاء)، وتوفير تعليم ورعاية للمسنين والأطفال على نحو أفضل، أو يمكن تلخيص كل ذلك في كلمة واحدة؛ تلبية مطالب الشعب في حياة أفضل.
ومن المقرر أن تُطرح قريبا تقارير عمل محكمة الشعب العليا ونيابة الشعب العليا على طاولة مندوبي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وهو أعلى جهاز لسلطة الدولة، وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهي أعلى هيئة استشارية سياسية في الصين.
كما من المقرر أن يصوّت المشرعون على مشروع قانون يهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي وحمايته وسط جهود الصين لتعزيز الإصلاح والانفتاح.
وقد أظهرت "الدورتان السنويتان" انخراط الحكومة في تشاور واسع النطاق مع مختلف القطاعات الاجتماعية، كما أظهرت قدرات التواصل وكفاءة التنفيذ لديها.
بالنسبة للصين، فإن الديمقراطية ذات الجودة تقف على أرضية صلبة فيما يتعلق بالجوانب الرئيسية للحوكمة الرشيدة، مع الحفاظ على الوعود الحكومية وتنفيذ الحلول المستقبلية طويلة الأمد. ويعتمد الأمر على انخراط الشعب، والاستماع لصوته، والأهم من ذلك، تلبية مطالبه.
ويتعين أن يكون النظام الذي يستحق ثقة الشعب، هو النظام الذي يقوم فيه الشعب بإدارة شؤون الدولة بما يتفق مع أحكام القانون، ويعبر فيه الجمهور عن متطلباته دون عوائق، ويتم عبره اتخاذ قرارات وطنية بطريقة عقلانية وديمقراطية، وتبقى فيه ممارسة السلطة مرهونة بضبط النفس والرقابة على نحو فعّال.
إن أفضل أشكال الديمقراطية، ذلك الشكل الذي يؤتي بثماره؛ فالأمر لا يتعلق بالحملات والمناقشات، بل المهم هو تأثير نتائج السياسة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه حكومات عدد من الدول الغربية توترات اجتماعية وتجد صعوبة في الإصلاحات، فإن الصين تسعى من خلال ديمقراطيتها الخاصة إلى الوصول إلى توافقات وحشد قوة الدولة بأكملها نحو هدف نهضة الأمة الصينية.
يتم تحويل الاقتصاد الصيني من نمو سريع إلى نمو عالي الجودة. ويتم تضييق الفجوة بين التنمية الحضرية والريفية. ويتم خلق الملايين من الوظائف الجديدة. كما أن الدولة تفوز في معركتها ضد الفقر المدقع.
لقد وضعت الصين هدف إكمال بناء مجتمع رغيد الحياة باعتدال بحلول العام 2020. وستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يسير فيها بلد يتجاوز تعداده المليار نسمة، نحو التحديث ككل.
إن الشعب الصيني صاحب القول الفصل في تأثير السياسات وفعالية الديمقراطية.
وتوضح الأوضاع الوطنية للصين أن البلاد لن تنخرط في تداول متعدد الأحزاب للسلطة السياسية، أو تعتمد مفاهيم أخرى مثل فصل السلطات أو المجالس التشريعية ذات الغرفتين.
يمكن استخدام التجربة الغربية كمرجع فقط، لكن لا ينبغي تقليدها أبدا.
ومع ذلك، فإن الشعور بالثقة لا يعني أن الصين تعتبر نظامها خاليا من العيوب. ويجب بذل جهود متواصلة لزيادة تحسين الديمقراطية الاشتراكية حتى يتمكن الشعب من إفساح المجال لإبداعهم.
وثمة تحديات مقبلة. فبينما يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين ما يقارب 10 آلاف دولار أمريكي، يظل هذا بعيدا عن نظيره في دول متقدمة. والتنمية تتطلب التفكير والتخطيط والتعاون والتشاور على نحو دقيق بين الحكومة والجمهور.
هذا ما يحدث في "الدورتين السنويتين" الجاريتين واللتين تجعلان القرارات تتفق مع المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة وتظهِر ديمقراطية ذات جودة تصمد أمام اختبار الزمن.