غزة 2 سبتمبر 2018 /يرى مراقبون فلسطينيون في سياسات الإدارة الأمريكية الحالية تجاه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وصفة لإطالة الصراع وتعقيده وليس العمل الجدي على حله.
ويؤكد المراقبون لوكالة أنباء (شينخوا)، أن قرارات واشنطن وأخرها الوقف الكلي لتمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تنذر بتداعيات سياسية وإنسانية وخيمة قد تؤدي إلى تصعيد ميداني غير محسوب.
وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرا أنها لن تمول بعد اليوم أونروا، متهمة الوكالة الأممية بأنها "منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه".
وقوبل قرار واشنطن بتنديد فلسطيني واسع واتهامات إلى واشنطن بالسعي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بعد قراراتها المثيرة للجدل فيما يخص القدس والاستيطان الإسرائيلي.
ويقول المختص الفلسطيني في قضايا اللاجئين من غزة حسام أحمد إن قرار واشنطن وقف تمويل أونروا يثير المخاوف بسعيها لإلغاء صفحة اللاجئ الفلسطيني عبر تصفية متدرجة لعمل أونروا.
وينبه أحمد إلى أن المس بخدمات أونروا والتضييق عليها ماليا يمثل خطرا يهدد أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية وفي مخيمات الشتات خاصة في حال أن قررت دول أخرى أن تحذو حذو واشنطن.
ويعتبر ان إدارة ترامب "تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من بوابة العنوان الرئيسي لها متمثلا بقضية اللاجئين، وحلها بما ينسجم مع الرؤية الإسرائيلية وهو ما لا يمكن أن يتم قبوله فلسطينيا".
لكنه يرى أن "هناك إصرارا دوليا على رفض قرار واشنطن ضد أونروا خشية الفراغ والفوضى التي ستنشأ، لا سيما أن 60 إلى 70 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يعيشون قرب إسرائيل ولا أحد يتوقع ردة الفعل التي قد تحدث لو تم إنهاء أونروا".
وجاء قرار واشنطن ضد أونروا في وقت تعاني فيه الوكالة من أكبر أزمة مالية في تاريخها بعد تقليص إدارة ترامب مساهمتها المالية للوكالة إلى 65 مليون دولار هذا العام مقارنة مع 365 مليون دولار العام الماضي.
ويتم تمويل أونروا بشكل كامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن الوكالة تعيش في السنوات الأخيرة وضعاً مالياً صعباً نتيجة تقليص دعمها وزيادة حاجات ومتطلبات اللاجئين الفلسطينيين في ظل الظروف الصعبة في المنطقة، قبل أن يأتي القرار الأمريكي بوقف نهائي لتمويلها ليعزز من الصعوبات التي تواجهها.
وأثر الوضع المالي لأونروا على الخدمات التي تقدمها للاجئين، وتأثر أيضاً العاملون فيها من ذلك عبر تقليص الوظائف ووقف بعضهم عن العمل وعدم دفع استحقاقات غلاء المعيشة والأقدمية.
كما اضطرت الوكالة لاتخاذ إجراءات تقشفية غير مسبوقة وسط تحذيرات من مخاطر استمرار أزمتها.
ويصف الكاتب والمحلل السياسي من غزة هاني حبيب قرار واشنطن بوقف تمويل أونروا بأنه "تمادي في الاعتداء على الحقوق الفلسطينية والانحياز لإسرائيل".
ويقول حبيب "لم تكن واشنطن من أكبر الممولين لأنشطة وخدمات أونروا فحسب، بل إنها كانت تصوت كل ثلاث سنوات لتجديد التفويض للوكالة، وهو ما يناقض كليا سياسيات إدارة ترامب".
ويضيف إن إدارة ترامب وضعت على ما يبدو "تصفية" القضية الفلسطينية من خلال إنهاء أونروا كهدف رئيس على قائمة سياساتها مترجمة هذه المساعي بقرارات تقليص الدعم للوكالة والسعي إلى إعادة النظر بتعريف اللاجئين الفلسطينيين "ما يفرغ الوكالة من أهم مهامها وجوهر تفويضها من قبل الأمم المتحدة".
ويبرز حبيب تداعيات ميدانية غير محسوبة العواقب يمكن التكهن بها في حال تصعيد المس بخدمات أونروا بفعل السياسات الأمريكية واحتمالات تفجر الأوضاع في المخيمات الفلسطينية بفعل تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
وتقدم أونروا التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، خدماتها لحوالي خمسة ملايين من لاجئي فلسطين المسجلين لديها في مناطقها الخمس وهي الأردن، وسوريا، ولبنان والضفة الغربية، وقطاع غزة ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية وذلك إلى أن يتم التوصل لحل عادل لقضيتهم.
وتشتمل خدمات الأونروا على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والإقراض الصغير.
وسبق للإدارة الأمريكية أن أعلنت في ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت في مايو الماضي سفاراتها في إسرائيل إلى المدينة المقدسة.
ورفض الفلسطينيون بشدة الخطوة الأمريكية واعتبروها مخالفة لقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على اعتبار القدس الشرقية مدينة محتلة وجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
كما يشتكى الفلسطينيون من تغيير أمريكي في التعامل مع ملف الاستيطان الإسرائيلي وعدم اتخاذ إدارة ترامب أي إجراءات ضده حتى على صعيد الإدانة اللفظية وهو ما يعتبرونه تدمير لحل الدولتين المنشود دوليا الصراع.
وكان ترامب أعلن في بداية عهده سعيه لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر طرح ما وصف إعلاميا باسم "صفقة القرن" والتي رفض الفلسطينيون لاحقا أي تعاطي معها، علما أن واشنطن لم تطرح الصفقة رسميا حتى الآن.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله غسان الخطيب إن إدارة ترامب تعمل على محاولة فرض أمر واقع عبر تطبيق أفكارها بدلا من الإعلان عنها والتباحث بشأنها مع الأطراف ذات العلاقة كما درجت العادة للإدارة الأمريكية السابقة.
ويضيف إن إدارة ترامب "أجرت تغييرات جذرية على مواقفها في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خاصة قضايا الاستيطان والقدس واللاجئين بما يتقاطع مع المواقف الإسرائيلية بشكل متطابق تقريبا".
ويرى أن هذه الإدارة "اختارت تبني النهج الإسرائيلي أحادي الجانب في محاولة فرض الأمر الواقع، لكنها سياسة مصيرها الفشل في ظل رفض المجتمع الدولي لخطوات واشنطن وتمسكه بقرارات الشرعية الدولية".
ويخلص الخطيب إلى أن سياسات إدارة ترامب "وصفة لتعقيد وإطالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس حله وهو ما يضع المنطقة كلها أمام خيارات صعبة".