بكين 2 سبتمبر 2018 /إن المزاعم القائلة بأن الاستثمارات الصينية بأفريقيا تخلق أزمة ديون مضللة وزائفة.
تستثمر الصين المزيد والمزيد من الأموال بالقارة، بزيادة تقترب من أربعين ضعفا مقارنة باستثماراتها بالقارة عام 2003، وهذه حقيقة.
لكن من غير المسؤول تضخيم أزمة الديون الأفريقية بالمقام الأول. وبالنظر للإحصاءات، فمستوى الدين العام بالدول الأفريقية لا شيء مقارنة ببعض الاقتصادات المتقدمة.
كما أنه من الخطأ اتهام الصين بذلك وإهمال حقيقة أن الاستثمارات الصينية حققت إنجازات على أرض القارة.
وبين عامي 2000 و2016، بلغ حجم القروض التي قدمتها الصين إلى دول أفريقية 1.8 بالمئة فقط من الديون الخارجية للقارة، ومعظمها بقطاع البنية الأساسية.
ولم تشتك أية دول أفريقية من وقوعها في فخ أزمة ديون نتيجة تعاونها مع الصين. وعلى النقيض، فالعديد من قادة الدول الأفريقية أشادوا بالتعاون مع الصين في مجالي الاستثمار والتمويل وأعربوا عن تطلعهم لإقامة تعاون أكبر مع الصين في هذا الصدد.
ولطالما كان الدين مثار قلق لأفريقيا. ففي فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، كانت هناك وثائق لصندوق النقد الدولي مخصصة لمشكلة الديون الأفريقية. فديون الدول الفقيرة المتعطشة للبنية الأساسية والمتحمسة لتسريع وتيرة عملية التصنيع تتجه للزيادة.
كما أضيفت بعض العوامل الجديدة إلى أزمة الديون. فقد ارتفعت ديون الاقتصادات الأفريقية المعتمدة على الموارد والتي كانت تعاني من ركود في أسعار السلع في السنوات الأخيرة.
إن الديون ليست أزمة تخص أفريقيا وحدها. فقد كشف بحث أجرته حملة اليوبيل لإلغاء الديون ومقرها لندن في عام 2017 أن سداد الدول الفقيرة للديون زاد بواقع 50 بالمئة في عامين وبلغ أعلى مستوى له منذ 2005.
وبالإضافة لذلك، فالمزاعم مليئة بالنفاق حتى أنها غضت الطرف عن منافع جلبتها الاستثمارات الصينية للقارة.
وألقى مقال حديث للأستاذ ديبورا برايتيجام مدير مبادرة البحوث الصينية - الأفريقية بكلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة بصحيفة ((واشنطن بوست)) بعض الضوء على الأمر.
وبحسب المقال بعنوان "السياسيون الأمريكيون فهموا أمر الصين بأفريقيا كله خطأ"، بعد تجميع قواعد بيانات تتعلق بقروض قدمتها الصين منذ عام 2000، توصل باحثون من جامعتي بوسطن وجونز هوبكينز إلى أنه "بصفة عامة، قدمت القروض الصينية الموجودة بقاعدة بياناتنا خدمة جليلة فقد قدمت التمويل اللازم لسد الفجوة الخطيرة في قطاع البنية الأساسية في أفريقيا."
وفي قارة لا يحصل فيها أكثر من 600 مليون نسمة على الكهرباء، تقدم الصين 40 بالمئة من القروض من أجل توليد الكهرباء ونقلها. كما تذهب 30 بالمئة أخرى من تلك القروض إلى تحديث البنية الاساسية المتدهورة للنقل، حسبما كشف البحث.
ولنأخذ الثلاث سنوات الماضية كمثال. ففي أواخر عام 2015، أعلنت الصين "خطط التعاون العشر" لدعم أفريقيا. ومن المتوقع أن تجلب المشروعات المكتملة أو لا تزال قيد التنفيذ للقارة طرقا سريعة بطول 30 ألف كيلومتر وقدرات موانئ تصل إلى 85 مليون طن سنويا وقدرات تنقية مياه بأكثر من 9 ملايين طن يوميا وقدرة توليد طاقة بنحو 20 ألف ميجاوات بالإضافة إلى توفير 900 ألف فرصة عمل للمواطنين المحليين.
وبنهاية عام 2017، استثمرت الصين أكثر من 100 مليار دولار إجمالا بالقارة. وذهب معظم التمويل إلى مشروعات البنية الأساسية مثل خط السكك الحديد القياسي بطول 480 كيلومترا بين مومباسا ونيروبي الذي وضع الأساس للنمو والازدهار.
والأمر لا يقتصر على البنية الأساسية فحسب. فقد أقيمت مئات المدارس ومراكز التعليم المهني والمستشفيات وعالجت فرق طبية صينية نحو نصف مليون مريض.
وتدرس لينا بن عبد الله، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ويك فروست، الاستثمارات الصينية ببرامج تنمية الموارد البشرية الأفريقية.
وقالت "عندما أراد الأفارقة الحصول على التكنولوجيا والمهارات، اعتبروا الصين خيارا سليما."
وفي هذا السياق، وبدلا مما يطلق عليه فخ الديون، أعطت الاستثمارات الصينية الأمل للأفارقة الذين يريدون كسر حلقة الفقر وعيش حياة أفضل.
ولذلك لا يوجد مبرر لإلباس الاستثمارات الصينية في أفريقيا ثوب الشيطان ووصف القروض الصينية بـ"المفترسة".
لماذا يطلقون على الأموال التي تقدمها دول بعينها "كعكة المال، ولكن عندما تقوم الصين بالمثل يطلقون عليها "فخ المال".
ماذا فعل المشيرون بأصابع الاتهام لأفريقيا؟
في ستينيات القرن الماضي، اتجهت تنزانيا وزامبيا، اللتان كانتا لتوهما فككتا أغلال الاستعمار وبأمس الحاجة إلى التنمية، إلى دول متقدمة معينة لمساعدتهما في بناء خط سكة حديد يربط البلدين، لكنها رفضت.
واتجهت الدولتان إلى الصين بعد إصابتهما بخيبة أمل شديدة. ولدهشتهما وافقت الصين، التي كانت في ذلك الوقت دولة فقيرة وضحية للعدوان والقمع من الخارج، على مد يد العون على حساب بعض مشروعات البنية الأساسية على أرضها.
ومن هذا المنطلق، فهمت شعوب أفريقيا معنى "الصديق وقت الضيق".