يعد اليوم العاشر من يوليو 2018 يوماً تاريخياً للعلاقات الصينية العربية، حيث أعلن الرئيس شي جين بينغ في خطاب ألقاه في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي، عن إقامة الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية .
أقيمت علاقات التعاون الاستراتيجية الصينية العربية التي تتميز بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة خلال الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي انعقد في مدينة تيانجين بشهر مايو 2010. وبعد 8 سنوات فقط من إقامة تلك العلاقات، شهد الاجتماع الوزاري الثامن الارتقاء بها إلى الشراكة التي تمثل مستوى أعلى للتعاون الثنائي، حيث لم تقم الصين هذه الشراكة مع العالم العربي ككل في السابق، ما عدا بعض الدول العربية.
لا ريب أن ترقية العلاقات الثنائية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية تعد نتيجة محتومة للتعاون السريع والسليم بين الجانبين، وخاصة في إطار بناء مبادرة "الحزام والطريق"، إذ تم توقيع مذكرات تفاهم بشأن بناء "الحزام والطريق" بين الصين و9 دول عربية حتى نهاية يونيو الماضي، بينما غدت الصين أكبر شريك تجاري لعشر دول عربية.
وفي هذا الإطار، جنى الجانبان ثماراً عملية في مجالات متنوعة مثل الطاقة والتجارة والاستثمار والطيران الفضائي والأقمار الصناعية والطاقة الإنتاجية.
وما يلفت الأنظار؛ أن الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية تتحلى بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل، ما يخلق فرصة تاريخية جديدة للجانبين.
يرمز التعاون الشامل إلى أن الصين والدول العربية سيواصلون توسيع وتعميق التعاون الثنائي في شتى المجالات. فعلى سبيل المثال، ستقوي الصين التعاون مع الجانب العربي في مجالي الاقتصاد الرقمي والصناعة البحرية، ما يوسع فضاء التعاون الاقتصادي. أما فيما يتعلق بالبنية التحتية؛ فإنها ستشارك في بناء شبكة خطوط حديدية ومسارات بحرية عربية، إضافة إلى الطرق والموانئ، ما يرفع بالتالي مستوى المنشآت الأساسية على نحو شامل للدول العربية.
ولا ينحصر التعاون الثنائي بين الجانبين على تلك المجالات فحسب، إذ أعلنت الصين بكل وضوح أنها ستقف في صف المصالح والمطالب المعقولة للدول العربية على الساحة الدولية، وإنها ستواصل لعب دور أكبر لصيانة سلام واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
لقد أثبت الواقع وسيواصل إثبات أن الصين لطالما وضعت دائماً التنمية المشتركة على محمل الجد خلال تعاونها مع الدول العربية، وكانت جادة وملتزمة في مسعى تحقيق الفوز المشترك. ففي السنوات الأخيرة تعزز التوازن التجاري الثنائي وسط مساعي الصين إلى زيادة الاستيراد من الدول العربية.
وفي هذا الشأن، ستستورد الصين سلعاً بقيمة أكثر من 8 تريليونات دولار أمريكي، فيما ستستثمر بما يربو على 750 مليار دولار أمريكي في الخارج في غضون السنوات الخمس المقبلة. وكما قال الرئيس شي، فإن من شأن هذه الأمور أن تخلق فرص تعاون أكثر تعود بمنافع حقيقية على الدول العربية.
ومن أجل دفع التنمية العربية، ستخصص الصين قروضاً ضخمة تغطي مختلف المجالات التي تهم وتنفع العالم العربي، وستعمل على تعميق التعاون الثنائي في بناء المدن الذكية وصناعات الذكاء الاصطناعي. وبات من الواضح أن الدول العربية ستحقق استفادة شاملة من الخبرات التنموية والتكنولوجيات الحديثة للصين، التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها لم ولن تسعى يوماً وراء مصالحها الخاصة على حساب الدول العربية، وانها ترغب في رؤية عالم عربي آمن وقوي ومزدهر.
إن التوجه نحو المستقبل يعد جزءاً هاماً لمستقبل الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم من حالة عدم اليقين على مختلف الصعد، بينما لا تزال منطقة الشرق الأوسط تعاني أوضاعاً معقدة تتخللها الاضطرابات بين حين وآخر. ولكن؛ وبغض النظر عن احتمالات وآفاق تطورات الأوضاع مستقبلاً، أصدر الجانبان رسالة واضحة مفادها أن تعاونهما الثنائي يتمتع برؤية طويلة المدى، وأنه لن يتأثر أو يتزعزع مهما اختلفت تصاريف الأوضاع والأحداث التي يشهدها العالم.
بالفعل؛ لقد زخر خطاب الرئيس شي بمعلومات وافرة للغاية تفصل وترسم ملامح خارطة طريق طموحة لمستقبل التعاون الصيني العربي، ما يرمز إلى دخول العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة يعمل الجانبان فيها على بناء مجتمع صيني عربي ذي مصير مشترك وبما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين، ومصلحة العالم بأسره.