د.وليد عبدالله
تشهد العلاقات التونسية الصينية تطورا مطّردا خلال السنوات الأخيرة، مع تقدم بناء مبادرة الحزام والطريق، وتتالي الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، خاصة مع إقتراب إنعقاد منتدى التعاون الصيني العربي ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي. وبدعوة من الجانب الصيني، أجرى ناجي جلول، وزير التربية التونسي السابق، ومدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، أعلى جهاز بحثي في البلاد، زيارة إلى الصين بمناسبة إحتفال الصين بالذكرى الأربعين لإنطلاق سياسة الإصلاح والإنفتاح، للمشاركة في مؤتمر مؤسسات الفكر الصينية الإفريقية الذي عقد مؤخرا ببكين. وعلى هامش هذه الزيارة أجرت صحيفة الشعب اليومية أونلاين حوارا خاصا مع المسؤول التونسي، حول العلاقات الصينية التونسية والعلاقات الصينية العربية-الإفريقية.
خلق الثروة مقياس أي سياسة ناجحة
يرى ناجي جلول أن سياسة الإصلاح والإنفتاح الصينية، قد نجحت في تحويل النظرية إلى واقع، إعتمادا على أسلوب براغماتي في قراءة المتغيرات والتعامل مع الواقع. حيث نجحت الحكومة المركزية الصينية في صياغة الرؤية في مرحلة أولى، ثم تطبيقها على أرض الواقع في مرحلة ثانية. فبعد أن عانت الصين مشاكل اقتصادية عديدة، استطاعت هذه المعادلة تحرير الإقتصاد وقدرات الإنتاج، وتحويل الصين من دولة فقيرة إلى دولة ثرية ومن بلد زراعي إلى بلد صناعي، وأخرجت ملايين الصينيين من عتبة الفقر، يقول جلول. ويعتبر بأن تجربة الإصلاح والإنفتاح تعد تجربة ثورية في تاريخ التنمية الإقتصادية العالمية. فمهما تنوعت النماذج الإقتصادية، فإن مقياس السياسة الناجحة في النهاية، هو خلق الرخاء والثروة. ويرى جلول، أن تجربة الإصلاح والإنفتاح في الصين، يمكن أن تكون نموذجا للدراسة والتعلم بالنسبة للدول النامية، سيما بالنسبة للدول الإفريقية والعربية.
ويقول جلول أنه في الوقت الذي يثار فيه جدلا واسعا في الدول النامية ذات التعداد السكاني القليل حول قضايا التنمية، نجد الصين، البلد الذي يزيد عدد سكانه عن المليار ساكن، تخلق الثروة، و"تتميز بالكثير من النظام والتوازن والجمال. حينما تمشي في الشوارع الصينية، لاتشعر بضخامة هذا العدد السكاني". هنا، يرى رئيس المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، أنه رغم وجود خصوصيات لكل بلد، لكن التجربة الصينية، أثبتت أن الدول النامية بإمكانها الإعتماد على إمكانياتها ومقدراتها المحلية لصياغة نموذج تنمية ملائم لأوضاعها.
الحزام والطريق: نمط جديد للتعاون بالنسبة لإفريقيا والدول العربية
يرى ناجي جلول أن النخب السياسة والنخب المشتغلة في التخطيط الإستراتيجي في إفريقيا والدول العربية، ستلعب دورا هاما في تعزيز التعاون الصيني العربي والصيني الإفريقي في المستقبل. بحكم الدور المركزي الذي تضطلع به هذه النخب في الإدارة والتخطيط داخل الدولة. ويعتقد أن هذه النخب التي نشأت على حلم النهوض والتحرر الوطني، تعي في الوقت الحالي بجملة من الحقائق والمتغيرات على الصعيد المحلي والدولي. فمن جهة، خرج العالم من سياسات المحاور والمعسكرات، بإتجاه التعاون المتكافئ والربح المشترك. ومن جهة ثانية، فشلت مختلف التجارب التنموية التي طرحتها المؤسسات الدولية في البلدان الإفريقية والعربية. لذا، فإن النخب الحالية، باتت تطمح إلى التعاون المتساوي والنهوض ببلدانها، والبحث عن شركاء مثل الصين التي خرجت من الفقر نحو الثروة، عبر اتباع طريقها الخاص. لاسيما في الوقت الذي تطرح فيه الصين عقلية تعاون جديدة، مبنية على المصالح المشتركة وليس الهيمنة، كما لاتمتلك الصين ماضيا إستعماريا، بل على العكس، خاضت نفس النضالات التي ناضلت من أجلها الدول الأفريقية والعربية للتحرر والنهوض.
بالتوازي مع مساعي الدول العربية والأفريقية لتحقيق التنمية والتطلع إلى نموذج جديد من الشراكة الدولية العادلة، تطرح الصين مبادرة "الحزام والطريق". في هذا السياق، يرى ناجي جلول، أنه رغم الصعوبات التي مرّت بها المنطقة العربية وإفريقيا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الواقع الدولي الجديد يفتح لإفريقيا والدول العربية آفاقا واسعة. وعلى إعتبار ضعف مستوى إندماج الدول العربية وافريقيا في العولمة الإقتصادية خلال الوقت الحالي، فإن مبادرة الحزام والطريق، يمكن أن تصبح قناة هامة لإندماج هاتين المنطقتين بشكل أعمق في الدورة الإقتصادية العالمية.
يضيف رئيس المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، أن إختلاف أوضاع وظروف الدول العربية، يمكن أن يسمح بتطوير عدة أنماط مختلفة من التعاون بين الصين والدول العربية. مثل التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة والصناعات الجديدة والتعليم والموارد البشرية، ما سيدفع التعاون الدولي في هذه الدول إلى الخروج عن نمط "الموارد الأولية مقابل المواد المصنعة"، بإتجاه التكامل الإقتصادي.
من جهة أخرى، يرى ناجي جلول أنه إلى الآن يمكن ملاحظة الدور العربي في تجارة طريق الحرير القديم، في سواحل أفريقيا وآسيا. وأن هذا البعد التاريخي للتعاون، يمكن أن يمثل أساسا لتعاون عربي صيني، إفريقي صيني مثمر في مبادرة الحزام والطريق.
تونس يمكن أن تكون مصنع الصين في إفريقيا
بصفتها جزءا من المتوسط، وبلدا يفتح على أهم المراكز الإقتصادية الغربية، إضافة إلى العوامل التاريخية، كانت علاقات تونس دائما أكثر عمقا مع الجانب الأوربي، حيث كانت تونس تجري قرابة 80% من مبادلاتها التجارية مع أوروبا، يقول ناجي جلول. ويضيف، بأن ذلك كان أمرا طبيعيا، لأن خريطة المراكز الإقتصادية كانت على هذا الشكل. لكنه يستدرك قائلا، إن "العالم الآن قد تغير"، وخريطة مراكز النفوذ الإقتصادي والسياسي لم تعد نفسها. حيث برزت إلى الوجود، مجموعة البريكس ذات الإمكانات الإقتصادية والإستراتيجية الضخمة. ومن منطلق إدراك هذه التغيرات العالمية العميقة، باتت تونس تولي أهمية كبيرة ومتزايدة للإقتصادات الناشئة. وعلى مستوى التخطيط، قام المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، بإمضاء إتفاقات تعاون مشترك مع مؤسسات إستراتيجية روسية وهندية وصينية. كما أن الزيارات التي يجريها المسؤولون التونسيون إلى الصين تنخرط في إطار الإهتمام الذي توليه تونس بتعزيز التعاون مع الصين على صعيد مبادرة الحزام والطريق. حيث تمثل تونس محطّة مهمة على مسار الحزام والطريق بمزاياها التنافسية، وقطعت أشواطا متقدمة في عملية الإنضمام إلى المبادرة، يقول ناجي جلول.
تأمل تونس من خلال هذه المبادرة تأسيس شراكة مربحة مع الصين على أساس المصلحة المشتركة، وتعزيز التعاون في مشاريع البنية التحتية والصناعة الرقمية والثورة الصناعية الرابعة وغيرها من المجالات. وأن تستفيد من المراحل المتقدمة التي قطعتها الصين في هذه الصناعات. إلى جانب تعزيز التعاون الأمني ومقاومة الإرهاب والتعاون العلمي والثقافي، ما يوفر بيئة سليمة وخصبة لتطور التعاون متبادل المنفعة بين البلدين.
في المقابل تحدث جلول عن جملة من المزايا التنافسية التي تتمتع بها تونس، ويمكن أن تجعلها محطة مهمة على مسار الحزام والطريق.
أولا، الإبتكار: تصنف تونس في المركز الأول في إفريقيا والعالم العربي في مجال الإبتكار والتجديد، حيث تحتل المرتبة الثامنة والأربعين عالميا. وتمتلك إسطولا ضخما من الكفاءات التقنية والعلمية العالية، ونظاما بنكيا متطورا، مايمكن أن يحول تونس إلى قاعدة إستثمارية صينية في مجال المال والصناعة.
من جهة أخرى، أمضت تونس اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي، مايتيح لها القدرة على النفاذ إلى أكبر الأسواق الإستهلاكية العالمية. في المقابل تحتاج إلى الإستثمار والسيولة، وهو مايوفر مجالا واسعا للتعاون التونسي الصيني،" فالصين تسمى ورشة العالم وتونس يمكن أن تصبح ورشة الصين في افريقيا" يقول ناجي جلول.
ثانيا، الموانئ ومناطق التجارة الحرّة: تمتلك تونس موقعا استراتيجيا إستثنائيا في أقصى شمال إفريقيا، وتنتمي إلى 3 مجالات جيوسياسية مهمة: هي العالم العربي وإفريقيا والمتوسط، وتمتلك شريطا ساحليا طويل. في هذا الجانب، يقول ناجي جلول أن تونس تعمل حاليا على تطوير منظومة موانئها البحرية. حيث إنطلقت في إنشاء ميناء النفيضة، الذي سيحتوي على منطقة لوجستية ضخمة، وسيكون بعمق 20 مترا، وهو الميناء الأعمق في شمال افريقيا، ماسيمنحه القدرة على استقبال وإرسال البواخر التجارية الضخمة لمبادرة الحزام والطريق.
هذا إضافة إلى تطوير ميناء بحيرة بنزرت، الذي يعد أكبر ميناء طبيعي في العالم بعمق 10 أمتار. في ذات الوقت، قامت تونس بإنشاء مناطق للتجارة الحرة في مدينة بنزرت الواقعة أقصى الشمال الغربي للبلاد ومدينة جرجيس في الساحل الجنوبي لتونس. ماسيمكن تونس من لعب دورا هاما في المنظومة المينائية واللوجستية على مسار الحزام والطريق.
ثالثا، الإستقرار السياسي: يقول ناجي جلول، أن تونس ظلت دائما ملتزمة بالسياسات المناهضة للأحلاف والمحاور، وسياسة "صفر مشاكل" مع بقية الدول، العامل الذي يوفر مناخا أمنيا مستقرا على المدى الطويل. "وهذا بالضبط ما يبحث عنه المستثمر".
ويضيف، رئيس المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، بأن تونس تضع الصين ومبادرة الحزام والطريق في موقعا مهما من تصورها لرؤية تونس 2030 وتونس 2050. وأن علاقات الصداقة التي راكمها البلدان سواء في العصور القديمة أو الحديثة، تمثل أسسا متينة لتطوير علاقات مستقبلية متميزة بين الصين وتونس، ستعود بالفائدة على الجانبين.