القاهرة 5 يونيو 2018 /مع مرور عام على الأزمة الخليجية بين السعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، لاتزال الأمور تراوح مكانها دون وجود أي بوادر للحل تلوح في الأفق، بحسب محللين سياسيين.
وانطلقت شرارة الأزمة عندما أعلنت وكالة الأنباء القطرية (قنا) تعرضها للاختراق والقرصنة فجر يوم 24 مايو من العام الماضي ونشر تصريحات مغلوطة نسبت لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وتسببت تلك التصريحات المنشورة في توتر علاقات الدوحة مع الدول الأربع، وأدت لاحقا إلى قطع هذه الدول علاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو الماضي فيما بات يعرف بالأزمة الخليجية.
وتتهم الدول الأربع قطر بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم وتمويل الإرهاب وهو ما تنفيه الدوحة بشدة.
وفرضت الدول الأربع سلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطر، تضمنت إغلاق الأجواء والحدود البرية، ثم قدمت لها في 22 يونيو من العام الماضي قائمة مطالب من 13 بندا للموافقة عليها مقابل عودة العلاقات إلى طبيعتها.
لكن قطر أصرت على أن تلك المطالب "مرفوضة وغير قابلة للتطبيق" لأنها تتصل بـ"السيادة".
وتضمنت قائمة المطالب تخفيض العلاقة مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وإغلاق قناة ((الجزيرة)) الفضائية وتسليم مطلوبين للدول الأربع متواجدين حاليا على الأراضي القطرية.
وطالبت القائمة كذلك قطر بقطع علاقاتها وروابطها مع جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وحزب الله اللبناني.
ولم تفلح كافة جهود الوساطة من قبل الكويت والولايات المتحدة الأمريكية ودعوات أطلقتها دول عربية وإقليمية ودولية في إنهاء المستمرة منذ عام.
ويقول روري ميللر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون في قطر انه "ليس لدى أي من أطراف النزاع من دافع حقيقي الان لتقديم اية تنازلات، فقد وصلت الأزمة لنوع من الجمود المؤقت، في حين المنطقة مشغولة بشكل اكبر بالصراعات الأكثر خطورة بها".
ويضيف ميللر لوكالة أنباء ((شينخوا)) أنه "كانت هناك صدمة اقتصادية في قطر في الأشهر الأولى، من الأزمة، ولكن آثار المقاطعة لم تكن قاسية كما توقعنا جميعا".
ويرى أنه "على الرغم مما خلفته المقاطعة في الأشهر الأولى من ضغوط اقتصادية، إلا أن قطر تمكنت من تخطي الأزمة بترسيخ علاقات جديدة وشبكات تعاون دولية في مجال التجارة، كما ركزت على زيادة وتكثيف الانتاج المحلي لتأمين الأمن الغذائي المستقبلي".
وفي مارس الماضي، نشر صندوق النقد الدولي بيانا وفقا لمتابعة الخبراء للتطورات الاقتصادية في قطر وتسود قراءتان معاكستان لوسائل الإعلام في دول المقاطعة وقطر.
ويرى إعلام دول المقاطعة أن اقتصاد قطر تدهور خلال العام تحت ضغوط المقاطعة.
وكشف بيان صندوق النقد الدولي أن التقديرات تشير إلى تراجُع نمو إجمالي الناتج المحلي غير الهيدروكربوني لقطر إلى نحو 4 بالمائة في عام 2017، ما يرجع إلى الضبط المالي الجاري وتأثير الأزمة الدبلوماسية.
وهبطت احتياطياتها الدولية على أثر خروج التدفقات الرأسمالية بسبب الأزمة الدبلوماسية، حتى انخفضت إلى حوالي 15 مليار دولار أمريكي مع نهاية ديسمبر 2017.
في المقابل، ترى الدوحة زخما إيجابيا من نفس البيان، حيث شدد الإعلام القطري على أحكام البيان التي تفيد بأن الاقتصاد القطري لايزال قادرا على المنافسة، ومن المتوقع أن تظل الآفاق الاقتصادية الكلية والمالية مواتية إلى حد كبير في المدى المتوسط، وبدء انحسار الأثر الاقتصادي والمالي المباشر للأزمة الدبلوماسية.
وتصر الدوحة على أنها تستفيد من المقاطعة كأنها فرصة لتحقيق استقلالها بدلا من اعتمادها على جيرانها.
كما أكد البيان أن السلطات تعكف على تنفيذ جدول أعمال للإصلاحات الهيكلية يهدف إلى تحسين بيئة الأعمال، وهي إصلاحات كانت الأزمة الدبلوماسية دافعا للتعجيل بها.
وساهمت المقاطعة الرباعية في زيادة وتعزيز التقارب التركي-الايراني- القطري مازاد من تعقيدات الازمة، بحسب المحللين.
وفي شهر نوفمبر الماضي وقعت قطر اتفاقا مع الدولتين لزيادة تدفقات السلع والبضائع لها لتعويض العجز الذي تواجهه بعد تفعيل المقاطعة الرباعية.
كما أقدمت قطر على اقامة قاعدة عسكرية تركية في أراضيها مما زاد من تفاقم الأزمة وتوتر العلاقات بين دول المقاطعة وتركيا.
ويرى ميللر أن "علاقة المثلث كانت جيدة بالنسبة لقطر لتعويضها عن العزلة التي فرضتها عليها دول المقاطعة".
ولكنه لفت الى أن كفاءة بناء علاقات بين قطر وتركيا وايران لن يكون البديل المثالي لدول الخليج التي تخشى كثيرا التمدد الايراني في المنطقة.
واضاف أن "السعودية التي تقود الحرب في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، لن تتقبل بسهولة اية تسويات مع قطر التي تراهن على دعم ايران".
من جانبها، ترى الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أنه رغم نجاح قطر في ترسيخ وضعها والتغلب مؤقتا على الأثار الاقتصادية السلبية للمقاطعة، إلا أن الأزمة تبدو أكثر تعقيدا، مؤكدة أن "المسار أصبح الآن بلا عودة".
وتقول الشيخ لوكالة أنباء ((شينخوا))، "صحيح أن الاجراءات التي اتخذتها قطر نجحت بشكل مؤقت في التغلب على الأضرار الاقتصادية للمقاطعة، إلا أن هذه الإجراءات على المدى الطويل يمكن تقلص قدراتها الاقتصادية وامكانياتها المالية".
وتعتقد أنه سيكون لزاما على الدوحة التركيز بشكل كبير علي مجتمعها المتدين القبلي غير المعتاد على المشاكل الاقتصادية والقلاقل والصراعات السياسية.
وترى الشيخ أنه ليس هناك مفر من أن تعترف قطر بضرورة حل الأزمة وتبذل جهودها لذلك، وتعمل على العودة لحضن الخليج مرة ثانية.
لكن من الصعب للغاية حاليا، كما تقول الشيخ، استعادة العلاقات المصرية - القطرية، خاصة في ظل العلاقات القوية بين الدوحة وأنقرة، ودعم العاصمتين لجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة المحظورة في مصر حاليا.
وتتهم مصر كلا من قطر وتركيا بالتدخل في شؤونها الداخلية، وايواء عناصر تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها لاسيما من جماعة الاخوان المسلمين.