قال سفير فلسطين لدى الصين فريز مهداوي إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعد خطوة خطيرة جدا ألحقت ضررا فادحا بمعسكر السلام على المستويين الفلسطيني والعربي وشكلت إهانة للمجتمع الدولي وعملا لا يشجع على السلام وإنما على تدمير فرص السلام .
وأشار السفير خلال مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، إلى أن هذا القرار الأمريكي لم يلق تأييدا من أحد تقريبا في العالم حتى الدول التقليدية التي دائما ما تنحى منحى الولايات المتحدة في سياستها لم تستطع فهمه، بل إنه داخل الولايات المتحدة نفسها ثمة إحصاءات تقول إن أكثر من 60 في المائة من الأمريكيين لا يستطيعون تقبل أو فهم دوافع القرار وأسبابه.
"ومن ثم تبقى خطوة ترامب هذه معزولة وليس لها تأثير في الواقع القانوني ولا حتى في الواقع السياسي على المستوى الدولي"، هكذا عبر مهداوي، مضيفا "ولكنها تعنى في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة لم تعد مؤهلة بالفعل للقيام بدور الوسيط النزيه القادر على أن يكون راعيا لعملية السلام وهذا يعني أننا بحاجة إلى راع جديد".
وأوضح السفير الفلسطيني أن خطورة الخطوة الأمريكية تكمن في "أننا لا نعرف كيفية تعاطى إسرائيل معها، فهل ستعتبرها مكافئة لها وتمنحها ضوءا أخضر لتقوم بالمزيد من الأعمال العدوانية والأعمال المخالفة للقانون من خلال توسيع المستوطنات"، محذرا من أنه إذا ما فهم الجانب الإسرائيلي أن هذا القرار تصريح له بأن يقوم بضم القدس واقعيا وتغيير الديموغرافيا فيها والاستيلاء على المقدسات الإسلامية والمسيحية والقيام بأعمال توسع هائلة في الاستيطان، فإنه سيقتل بذلك فرصة إمكانية تحقيق حل الدولتين.
وتابع قائلا إن هذا الموقف الأمريكي سيجعل فلسطين تعود بملف قضيتها إلى منشأها الأصلي ألا وهو الأمم المتحدة القادرة على أن تحل محل هذا الفراغ الناتج عن هذا الموقف، مشددا على أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها".
ولدى إشارته إلى أن ترامب هو الذي أجهض بنفسه الدور الأمريكي وخذل كل من راهنوا على عملية السلام وعلى المبادرة الأمريكية التي راعت العملية السلمية، أكد مهداوي أن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل يشجع على الإرهاب ويمثل دعوة للعنف من قبل ترامب، "فهو بهذا العمل يهدى هدية لكل من يريد أن يمارس الإرهاب، إذ ستشكل هذه الخطوة ذريعة سيستخدمها كل المتطرفون الذين سيقولون إن المراهنة على عملية السلام تؤدى إلى وضع كهذا ومن ثم لا يوجد طريق آخر سوى العنف".
ولفت إلى أن المجتمع الدولي وخاصة الدول الفاعلة فيه والقوى المختلفة من أي مكان جغرافي مطالبة بأن تأخذ بزمام المبادرة لكي تؤكد أن المجتمع الدولي ملتزم باستمرارية عملية السلام وبأنه لن يقف مكتوف الأيدي وهو يشاهد الولايات المتحدة تنسحب وتحدث تخريبا في عملية السلام دون فعل شيء .
وقال إن المبادرات التي تقدمت بها فرنسا وبلجيكا والصين ودول أخرى حتى روسيا بشأن حل القضية الفلسطينية تعد في الواقع أمرا إيجابيا، مسلطا الضوء في الوقت ذاته على "الحاجة إلى تدخل المجتمع الدولي عبر إرسال إشارات قوية لإسرائيل حتى ترتدع عن السياسات العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني".
واستطرد قائلا "نحن السكان الأصليين لفلسطين، نحن أهل البلاد ولدينا تاريخ يمتد لخمسة آلاف عام"، ورغم ذلك قبلنا التعاطي مع إسرائيل وتحقيق السلام معها لكنها "لا تريد ذلك شأنها شأن كل المشاريع الاستعمارية في العالم التي تقوم على حق السكان الأصليين"، مضيفا أن فلسطين لن تدخر وسعا في نقل قضيتها إلى كل مجال وإلى كل مستوى"
وفي نفس السياق، ذكر أن نجاح فلسطين في أن تصبح عضوا في جميع وكالات الأمم المتحدة مسألة في غاية الأهمية كونها "تمثل إشارات قوية تعزز من صمود الشعب الفلسطيني وثقته في المجتمع الدولي ووعوده وتضغط على إسرائيل بحيث لا تستطيع إنكار هذا الإجماع في العالم وتتأكد من أن ما تفعله لن يمر دون عقاب".
وقال مهداوي إن مدخل العلاقات العربية-الصينية يمر في واقع الحال من القضية الفلسطينية بما تشكله هذه القضية من أهمية بالغة لكل الشعوب في جميع الأقطار العربية، مثمنا موقف الصين الثابت الداعم للقضية الفلسطينية ووقوف الصين دوما مع الشعوب المناضلة المحبة للحرية والاستقلال ومعربا عن تأييد فلسطين لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية ولمقترح النقاط الأربع الذي طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للصين في يوليو الماضي بهدف دفع إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وأعرب عن ثقته بأن الصين قادرة، كونها دولة مسؤولة تضطلع بدور مهم على الصعيد الدولي وتشغل مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي، على تطوير سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه منطقة الشرق الأوسط برمتها لأن العلاقات العربية- الصينية تشهد تطورا ملحوظا في شتي المجالات.
وفي ختام المقابلة أكد السفير الفلسطيني أنه دون إيجاد حل لهذه القضية الهامة لفلسطين والعالم العربي والأمتين الإسلامية والمسيحية بل والعالم كله لا يمكن لإسرائيل أن تنعم بالسلام على الإطلاق ، كما شدد على حرص الفلسطينيين على البقاء على أرضهم والحفاظ على هذا الإرث الإنساني والحضاري والثقافي المتمثل في كل بقعة فلسطينية مقدسة والصمود رغم كل الصعوبات.