تعليق: سحب القوات الروسية من سوريا .. هل أتى في الوقت المناسب؟

بقلم:سون شينغ جيه، أستاذ بمعهد الدبلوماسية العامة بجامعة جيلين

ذكرت وكالة الانباء الصين الجديدة، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر يوم 11 ديسمبر الجاري ببدء سحب القوات الروسية من سوريا. وقد مثل خبر سحب روسيا قواتها من سوريا صدمة جديدة مثل خبر ارسال قواتها قبل عامين.

إكمال بوتين الأداء التكتيكي المثالي في سوريا، يؤكد مرة أخرى أن الانشطة الروسية الاستراتيجية في الشرق الاوسط في الدرجة الاولى من حيث القدرة والفعالية. وبطبيعة الحال، قام بوتين ببعض الترتيبات لهذا الانسحاب ايضا، حيث اختار الوقت المناسب بمهارة جيدة. كما اثبت دخول وخروج القوات الروسية الى سوريا مرة واحدة مفهوم فكرة لعبة " الحرب المحدودة" التي باتت أكثر وضوحا ــ ــ القيام بأنشطة محدودة خلال فترة ومساحة محدودة من أجل أهداف محدودة.

ما هو هدف ارسال روسيا قواتها إلى سوريا؟ الهدف الصغير هو تحقيق استقرار نظام بشار الاسد، وتحسين الوضع المتراجع للقوات الحكومية السورية، والهدف الكبير هو محاربة الارهاب في الشرق الاوسط، حيث أن روسيا ضحية الارهاب ايضا، والهدف الاكبر هو الاستفادة من سوريا للدفع بنمط سياسة الدول الكبرى، خصوصا تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا من قبل اوروبا والولايات المتحدة.

ويمكن القول إن القوات الروسية حققت انجازات عظيمة من خلال العمليات العسكرية على مدى عامين، حيث شهد نظام بشار الاسد استقرارا، وحدث تباين في ميزان القوى داخل سوريا، وسيطرة القوات الحكومية على معظم الاراضي. وفي الشهر الماضي، توجه الرئيس السوري بشار الاسد الى سوتشي، جنوب غرب روسيا للإعراب عن " الشكر" للمساعدات الروسية التي ساهمت في حفظ الاستقرار في سوريا.

يعتبر استقرار سوريا بالنسبة لروسيا محور استراتيجي لتحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط. وكما نعلم جميعا، توجد في سوريا قاعدة بحرية وحيدة لروسيا في الخارج، وساعدت العمليات العسكرية في سوريا على خلق مشاعر فياضة تجاه روسيا في الشرق الاوسط أيضا. وفي الوقت نفسه، قامت روسيا باختبار الفعالية القتالية لجيشها واختبار اسلحتها في ساحة المعركة السوريا أيضا، كما أن استمرار الحرب الاهلية في سوريا أنتج سوق تصديري مهما للأسلحة الروسية. ويمكن أن نرى من خلال هذا الهدف الصغير، أن روسيا عملت بشكل جيد.

من ناحية مكافحة الإرهاب، ليس هناك انتصار كامل بعد، ومع ذلك، أعلن بوتين الهزيمة الكاملة لتنظيم " الدولة الاسلامية"، واعادة الاراضي السورية، ووعد بوتين بشار الاسد بضربة لم يسبق لها مثيل أذا ما عاد الارهاب، وليس هناك عقبة أمام عودة الجيش الروسي الى ساحة المعركة السورية. ولا يمكن الفوز في الحرب على الارهاب في الشرق الاوسط بالاعتماد على القوات الروسية، ولكن هذا ايضا ليس هدف القوات الروسية في الشرق الأوسط.

ومن ناحية النمط الاستراتيجي، قاتلت القوات الروسية في سوريا، ولكن ايضا أدخل الوتد واعادت خلط ورق اللعبة الجيوسياسية في الشرق الاوسط، وحققت حصادا بفضل جهود كبيرة وبأقل تكلفة. وهناك تواجد قوي للقوات الروسية في ساحة المعركة السورية، فاز بهيمنة على القضية السورية، وأصبح مؤتمر أستانا الذي نظمته روسيا تدريجيا منصة لحل سياسي للقضية السورية في الوقت الذي شهدت المفاوضات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة واوروبا ركودا.

كما حصل تواجه روسيا في الشرق الاوسط على تعاون وصداقة دول الشرق الاوسط. وتبين زيارة ملك السعودية الى روسيا في اكتوبر أن الدبلوماسية الروسية " لم تقهر" في الشرق الاوسط. كما أن العلاقات غير المتناغمة بين إيران والسعودية وتركيا لا يمنع من أن تصبح تلك الدول صديقة لبوتين، لذلك، اصبحت روسيا لاعبا حاسما في الشرق الاوسط.

كما تحقق بعض النجاح في استخدام سوريا لحشد العلاقات الاستراتيجية بين الدول الكبرى. وأن طلب بوتين من بشار الاسد التعاون مع تركيا خلال زيارة الاخير الى روسيا، جعل الاخيرة تكتسب الحق الكلام في حل القضية السورية. ومنذ ذلك الحين ايضا، بات الحديث بين بوتين وترامب حول القضية السورية من خلال مكالمة هاتفية منسجم. ويمكن القول إن سوريا ورقة مساومة للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة، فقط أن اليوم من الصعب اعادة دفء العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب "تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية"، ومع ذلك، من الواضح أن بوتين اكثر افضلية في التخطيط الاستراتيجي للشرق الاوسط.