صورة لمشهد من فيلم "جون راب" |
بينما خرج أغلب اليابانيين يوم الأحد 10 ديسمبر للتمتع بطقس مشمس. إختار أكثر من مئة ياباني القدوم إلى إحدى قاعات الإجتماعات الكبرى بضاحية العاصمة طوكيو، لمشاهدة فيلم "جون راب"، الذي يحكي مأساة ضحايا مجزرة نانجين في عام 1937.
حيث إزدحمت الصفوف قبل نصف ساعة من إنطلاق عرض الفيلم، وحضر الشيوخ والشباب للمشاهدة. وبعد نهاية الفيلم، عبّر مختلف المشاهدين اليابانيين عن ضرورة الاعتبار من التاريخ كي لا تعاد أخطاء الماضي مرة أخرى.
"نسيان التاريخ خيانة"
"لقد إرتكب الجيش الياباني الكثير من الفظائع خلال إحتلاله للصين. وكان ذلك شيئا مأساويا!" تقول السيدة تيتوموتو التي تجاوزت عقدها الثامن، أثناء التعبير عن مشاعرها لأصدقائها الذين رافقوها لمشاهدة الفيلم.
ولدت تيتوموتو في شبه الجزيرة الكورية، وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت لاتزال طفلة صغيرة. لكن الجرائم التي إرتكبها جيش الإحتلال الياباني ترك في داخلها ذكريات أليمة لاتمحى. وتضيف السيدة تيتوموتو قائلة "إن بث فيلم جون راب يكتسي مغزى مهما، وعلى كل ياباني ان يشاهد هذا الفليم. فليس الصين وحدها التي يجب أن تتذكر ضحايا مجزرة نانجينغ، بل على اليابان أن تفعل ذلك أيضا. علينا أن لاننسى الحرب، كي نحافظ على السلام."
"نسيان التاريخ خيانة" يقول اينادا الذي يسكن في محافظة كاناغاوا وقطع مسافة ساعة ونصف إلى العاصمة طوكيو لمشاهدة فيلم "جون راب". يقول اينادا بأنه مواطن ياباني عادي، ولديه إهتمام كبير بالتاريخ، وهو يشعر بغضب تجاه شريحة من اليابانيين ترفض الإعتراف بجرائم الحرب التي إرتكبها الجيش الياباني. ويرى اينادا رغم أن مجزرة نانجينغ قد حدثت قبل 80 عاما، لكن يجب أن لاتنسى، لأن الإعتبار من التاريخ وحده ما يمكن أن يفتح آفاق المستقبل.
عبّر اينادا وهو أب لطفلين، عن قلقه من نية الحزب الياباني الحاكم تغيير الفصل التاسع من الدستور الياباني. وأشار إلى أمله في أن تعتبر الحكومة اليابانية الحالية من دروس التاريخ، وتُجنب الأطفال ويلات الحروب القاسية.
تذكر التاريخ ليس بغرض تخليد الكراهية، بل لكي يكون التاريخ درسا للجميع. "مشاهدة فيلم جون راب أهم من قراءة 10 كتب"، تقول الآنسة يوشينو التي وصلت قاعة العرض في وقت مبكر. فقد سمعت يوشينو عن مجزرة نانجينغ، لكنها لاتعرف بالضبط ماهي. وبعد أن علمت بعرض فيلم "جون راب" بادرت في أسرع وقت بالتسجيل. وبعد مشاهدتها الفيلم، أبدت يوشينو إعجابها بما جاء فيه، وقالت بأنها ستنصح أصدقائها بمشاهدته. كي يتعرفوا هم أيضا على مجزرة نانجينغ ويأخذون العبرة من التاريخ، ولاتتكرر مثل هذه المآسي ثانية.
رغم فيلم "جون راب" يدوم 134 دقيقة كاملة، لكن جميع المشاهدين تابعوا أحداثه بإهتمام وشغف ولم يغادر أحدا منهم القاعة قبل النهاية. وقد ترك الفيلم إنطباعات عميقة لدى المشاهدين عن مجزرة نانجينغ. "هذا فيلم جيد، وآمل أن يتم عرضه في المزيد من قاعات السينما اليابانية"؛ "تاريخ مجزرة نانجينغ كان مأساويا"؛ "آمل أن يتعرف المزيد من اليابانيين أكثر على هذه الحقبة التاريخية"....هكذا كانت ردود المشاهدين اليابانيين بعد مشاهدة فيلم "جون راب".
في قاعة عرض الفيلم، تم توزيع ملف ورقي من 16 صفحة مرفوقا بالصور، يعرّف بالحقائق التاريخية لمجزرة نانجينغ. كما قدّم الباحث المختص في أبحاث مجزرة نانجينغ إيماتسو سيجي محاضرة عن نتائجه البحثية حول هذا الموضوع. في هذا السياق، قال إيماتسو أن عددا من اليمينيين اليابانيين ينكرون حقيقة وجود مجزرة نانجينغ، لكن هذه المجزرة هي حقيقة تاريخية، والأدلة عليها كثيرة. وحتى الأرشيف الياباني يحتوي على كم هائل من الوثائق التي تدل على حدوث هذه المجزرة. في هذا الصدد، يقول إيماتسو "آمل أن يدفع فيلم جون راب المزيد من اليابانيين إلى التعرف على تاريخ حروب الإستعمار الياباني بما في ذلك مجزرة نانجينغ".
أخذ العبرة من الماضي
تم تنظيم هذا العرض السينمائي من قبل جمعية المجتمع المدني اليابانية: "الملتقى السينمائي للتفكير في الدستور". وتعمل هذه الجمعية منذ عام 2013 على عرض فيلم سينمائي كل شهر لتوعية المجتمع الياباني بأهمية دستور السلام الحالي بالنسبة لليابان.
الحرب هي مرآة تجعل الإنسان يقدّر بشكل أفضل نعمة السلام. في هذا الصدد، يقول هاناساكي ساتوشي المسؤول بالجمعية اليابانية سابقة الذكر، "لقد أظهرت الإستطلاعات التي قمنا بها في مايو من العام الحالي، أن فيلم جون راب هو أكثر الأفلام التي يرغب اليابانيون في مشاهدتها. ولا شك أن بث هذا الفيلم في الوقت الذي يسعى فيه الحزب الياباني الحاكم إلى تعديل الدستور، وبمناسبة مرور 80 عاما على مجزرة نانجينغ، يكتسي رمزية بالغة."
"آمل ان يتواصل معنا الجميع لبث فيلم جون راب في المجمعات السكنية." تقول الآنسة أراكاوا عضوة جمعية الفيلم الوثائقي لتاريخ نانجينغ متوجهة لأكثر من 100 شخص حضروا عرض الفيلم. في هذا السياق، تقول أراكاوا أن فكرة تأسيس جمعية الفيلم الوثائقي لتاريخ نانجينغ في عام 2009، جائت إنطلاقا من الوعي بأهمية معرفة وتذكر تاريخ مجزرة نانجينغ بالنسبة لليابانيين. وتضيف بأن الجمعية تمكنت من خلال عرض عدة أفلام حول هذه القضية، مثل فيلم "نانجينغ نانجينغ" وفيلم "جون راب" في أن تثير إهتمام عدد كبير من اليابانيين للتعرف أكثر على مجزرة نانجينغ، وأخذ العبرة من الماضي.
يذكر أن جمعية الفيلم الوثائقي لتاريخ نانجينغ قد أنفقت 1 مليون ين ياباني لشراء حقوق بث فيلم "جون راب". لكن نظرا لأسباب مختلفة، لم يسمح لهذا الفيلم بالعرض في قاعات السينما اليابانية. لذا، قامت عدة جمعيات مدنية في طوكيو، يوكوهاما، أوساكا، كيوتو، كوبي وناغويا بتنظيم عدد من الفعاليات لبث هذا الفيلم. ما أتاح لأكثر من 10 آلاف ياباني فرصة مشاهدته.
التذكير بأحداث الماضي، يمثل تنبيها للأجيال اللاحقة. لذا " عملنا في جمعيتنا جاهدا على تمكين أكبر عدد ممكن من اليابانيين من مشاهدة هذا الفيلم. فنحن نشعر بعمق مسؤوليتنا في هذا الجانب، لأن قضية الإعتراف بمجزرة نانجينغ تتعلق بأخذ العبرة من التاريخ وبمستقبل السلام في آسيا وربما العالم بأسره." تقول أراكاوا.