زار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 11 ديسمبر الجاري بالتوقيت المحلي قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، والتقى خلال الزيارة بالرئيس السوري، بشار الأسد، وأعلن عن بدأ انسحاب القوات الروسية. وبعد ذلك، توجه بوتين الى القاهرة ليبحث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي الملف السياسي والاقتصادي والتجاري، والطاقة ومكافحة الإرهاب، ووضع القدس والقضية السورية وغيرها من القضايا الإقليمية الساخنة الاخرى، ووقع الجانبان الاتفاق على بدء بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر ــ ــ محطة الطاقة النووية "الضبعة". وآخر محطة لبوتين هي تركيا للاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي يعتبر ثامن اجتماع بين القادتين هذا العام. وقد ناقش الجانبان التعاون الاقتصادي والتجاري، وشراء تركيا نظام الدفاع الجوي المتقدم (S-400) روسية، والوضع في سوريا وقضايا أخرى، وشددا بإجماع على الحل السلمي للتوترات الناشئة عن الوضع الحالي للقدس.
" بوتين يقوم بعرض دبلوماسي ممتاز في الشرق الأوسط." وعلقت " صحيفة الاهرام" المصرية" أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين سارع الى تحسين صورة روسيا في الشرق الأوسط مباشرة بعد اعلان الرئيس دونالد ترامب عن اعترافه بأن القدس عاصمة لاسرائيل. كما أن انسحاب القوات الروسية يثبت قدرة الأخيرة على حل المشكلة في سوريا.
تعزيز التواجد والصوت الاقليمي
يعتقد المحللون أنه مع تراجع تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل مطرد، ومواجهة إعادة هيكل الشرق الأوسط، فإن زيارة بوتين الى سوريا وتركيا ومصر من شأنه أن يعزز النفوذ الروسية في المنطقة.
ومن المتوقع أن تولي دول اخرى في منطقة الشرق الاوسط اهتمامها بشكل متزايد بموسكو في المستقبل. ظاهريا، قامت روسيا بالانسحاب من الشرق الاوسط، في حين أن المخطط الروسي في الشرق الاوسط أكثر عمقا، وبفضل محاربة الارهاب، لم تعزز روسيا نفوذها في الشرق الاوسط فحسب، وإنما عززت مكانتها كقوة كبيرة على الساحة العالمية. وفي الوقت الحالي، هناك مقارنة حية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن قضية الشرق الاوسط.
كما يعتقد البعض أن روسيا لن تنسحب من الشرق الاوسط واقعيا، ولو سحبت قواتها من سوريا، لاعتبارات استراتيجية شاملة أيضا. وتسعى روسيا للحفاظ على قاعدتي حميميم وطرطوس في سوريا لفترة طويلة، وفي الوقت نفسه تترك روسيا وسائل أخرى لمنع عودة تنظيم" الدولة الإسلامية".
وطبقا لتحليل وسائل الاعلام فان روسيا سوف تعجل في المرحلة القادمة من استثماراتها السياسية وجهودها الدبلوماسية في قضايا مثل الوضع في فلسطين واليمن وتلعب دورا أكبر في اللعبة مع الولايات المتحدة لتعزيز صوتها ووجودها في الشرق الاوسط.
الشرق الأوسط يدخل في جولة جديدة من لعبة الدول الكبرى
أشار بعض المحللين إلى أن روسيا تواجه تحديات جديدة في سوريا بعد هزيمة تنظيم " الدولة الاسلامية"، أي كيفية تحقيق تغيير في الهوية من "الفائز بمكافحة الإرهاب" إلى "صانع السلام". وقد تضاعفت جهود روسيا السياسية لحل الازمة السورية في الوقت الذي سحبت فيه قواتها من الاخيرة.
يعتقد الرأي العام العالمي أن الشرق الاوسط قد يدخل جولة جديدة من لعبة الدول الكبرى، وأن مركز المعركة لم يعد مكافحة القوى الارهابية، وإنما هيكل تحالف روسيا والولايات المتحدة مع تركيا، وإيران، ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الكبرى في المنطقة، ومسابقة للهيمنة على الشرق الاوسط. وستواصل روسيا والولايات المتحدة وبعض القوى الكبرى في الشرق الاوسط التركيز على لعبة العملية السياسية في سوريا، وبحث روسيا عن آلية لترجمة الانتصارات العسكرية الى النفوذ السياسية.
وفقا للمقال الذي نشرته "اليوم السابع " المصرية، فإن المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة في الشرق الاوسط لن تتوقف أبدا، وقد قدم ذلك مجالا أكبر للتغيير في الدول العربية، ومع ذلك، فإن المنافسة المتنامية بين روسيا والولايات المتحدة جعلت الوضع في الشرق الاوسط أكثر تعقيدا واضطرابا، لأن مسعى استمرار التدخل الروسي الامريكي في الشرق الاوسط ينطلق من مصالحهما الخاصة.
في الوقت الحاضر، تلعب روسيا وتركيا وإيران دورا هاما في العملية السياسية في سوريا. وقد حددت قمة سوتشي الثلاثية بشأن سوريا الذي حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الايراني حسن روحاني، الطريق الى الحل السياسي للقضية السورية: عقد مؤتمر "حوار وطني" حول سوريا، بدء العملية السياسية بقيادة الشعب السوري، اجراء انتخابات حرة ونزيهة. وذكرت وسائل الاعلام السورية أن الحوار الوطني السوري سيعقد في سوتشى في اوائل العام القادم.
وأفادت قناة الجزيرة القطرية أنه من خلال العمليات العسكرية في سوريا، ستعود روسيا بشكل آخر الى الشرق الأوسط، المنطقة التي كانت أهم منطقة للاتحاد السوفيتي سابقا.