بقلم: جين ليانغ شيانغ/ نائب مدير مركز دراسات غرب اسيا وافريقيا التابع لمعهد شنغهاي للدراسات الدولية
أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية الاخرى يوم 5 يونيو الجاري، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وتعليق مقعدها في الجامعة العربية. ولا يزال غير معروف مستقبل مسار تسوية الازمة كان سلميا أو مواجهة حتى الآن. إلا أن أي مسار سيكون له تأثير عميق على توزيع مناطق النفوذ بين القوى الكبرى في الشرق الاوسط. وتعتبر درجة عمق تضارب المصالح ونطاق المشاركة الواسعة في هذه الاحداث نادرا جدا في تاريخ منطقة الشرق الاوسط. فكيف ستنتهي الازمة؟
أعتقد أن هناك ثلاثة احتمالات في مسار الأزمة الدبلوماسية الخليجية :ـ
الإحتمال الاول: تقديم التنازلات لإنهاء الأزمة
يتطلب تحقيق الاحتمال الأول ثلاث شروط:ـ أولا، تمسك قطر بهويتها العربية الخليجية السنية، واختيار الوساطة وتقديم التنازلات لمواجهة عدم قدرتها على دفع الثمن السياسي والاقتصادي في ظل قطع السعودية وغيرها من الدول الاخرى علاقاتها معها وفرض العقوبات عليها. ثانيا، قبول السعودية وغيرها من الدول التنازلات القطرية. حيث أن تنازلات قطر من جانب واحد فقط لن يحل المشكلة. ثالثا، استعداد الكويت وغيرها من دول الخليج أو المجتمع الدولي للوساطة النشطة والحل السلمي للازمة.ومع ذلك، فإن إمكانية تحقيق ما سبق ليست كبيرة. حيث أن السعودية وغيرها من الدول الآخرى غير مستعدون للتراجع عن موقفهم، ومن ناحية اخرى ، لم تقدم قطر عروض ناعمة. كما أن الوساطة المباشرة التي قام بها أمير دولة الكويت لحل الازمة لم تحصل على رد ايجابي من السعودية.
الإحتمال الثاني: عدم قدرة قطر على الصمود في وجه الضغوط قد ينتهي بتغيير النظام
أن احتمال حدوث تغيير النظام في قطر يتزايد اذا لم تستطع الاخيرة تحمل الضغوطات الثقيلة التي فرضتها السعودية وغيرها من الدول عليها، ورفض أمير قطر تقديم التنازلات للوصول الى التسوية مع السعودية وغيرها من البلدان الاخرى. وفي الواقع، الاتهامات التي وجهتها السعودية وغيرها من الدول لقطر بدعم الارهاب وغيرها مبالغة جدا، ولم تترك مساحة للمساومة مع قطر. ويعود ذلك على ما يبدو الى أن الهدف من قطع السعودية وغيرها من الدول الاخرى علاقاتها مع قطر والتدابير الاخرى لإجبار تغيير النظام في قطر ، خلاف ذلك، لا تشكل التدابير المتخذة تهديدا خطيرا لسبل العيش الاساسية للشعب القطري. وأن العامل الحاسم للنجاح أو فشل تحقيق الهدف هو مدى دعم الشعب القطري للنظام الحالي.
الإحتمال الثالث: اعادة توزيع مناطق النفوذ في المنطقة جراء تصاعد المواجهة
يبدو أن إحتمال اعادة توزيع مناطق النفوذ في المنطقة جراء تصاعد المواجهة مرتفع بالرغم من عدم رغبة المجتمع الدولي. من جهة، رفضت السعودية مبادرة الوساطة التي يبذلها المجتمع الدولي، زاعمة أن دول الخليج يمكن أن تحل مشاكلها الخاصة، ومواصلة تصعيد الضغط على قطر، حيث أعلنت في يوم 8 يونيو دليلا آخر حول دعم قطر للارهاب، يتضمن 59 فردا و12 منظمة، تشمل رجل الدين القرضاوي وشخصيات من جماعة الاخوان المسلمين المصريين. ومن جهة اخرى ، تزايد صعوبة تقديم التنازلات من الجانب القطري. أولا، إتخاذ قطر قرار تقديم تنازلات شاملة لمواجهة الضغوطات صعب. وفي الواقع، يصعب على اي نظام في اي بلد اتخاذ مثل هذا القرار، الذي سوف يؤدي مباشرة الى أزمة شرعية في النظام، على عكس ذلك، يمكن لموقف صعب أن يحصل على دعم قوي في ظل الأزمات.ثانيا، قطر لا يمكن أن تقبل الاتهام المزعوم من قبل السعودية وبلدان اخرى بدعمها للإرهاب. حيث أن قبول قطر للإتهامات المزعومة يعني الموافقة على ترحيل رجل الدين القرضاوي أكبر مؤثر سياسي واجتماعي في قطر،مما قد يؤثر كثيرا على استقرار قطر. ثالثا، أعربت تركيا وايران عن دعمهما لقطر، ما سوف يزيد من انتهاج قطر لسياسة المواجهة. ومع ذلك، المؤكد أن قطر ستحافظ على مسافة معينة مع إيران مع الأخذ بعين الاعتبار للنفوذ الامريكية.
وفي غضون ذلك، يحتمل أن تؤثر الأزمة الدبلوماسية الخليجية على سياسات دول الخليج الاخرى. كما أن تردد بعض دول الخليج من دخول دائرة المواجهة بين السعودية وإيران، بما في ذلك سلطنة عمان والكويت قد يزيد من عزلة السعودية. وعليه، فإن التعديلات الرئيسية في الوضع الجيو سياسي في منطقة الشرق الاوسط سيعزز قوة المعسكر الايراني، ويزيد من الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتراخي مخيم احتواء إيران بقيادة السعودية.