ــ الأمان والتناغم ... سمة الحياة في قوانغدونغ
ووفقا للسجلات التاريخية، أصبحت مدينة قوانغتشو بالفعل أكبر ميناء في الشرق خلال عهد أسرة تانغ (618 - 907) حيث بلغ عدد الجاليات الأجنبية بها آنذاك مائة ألف معظمهم من العرب. وحتى يومنا هذا، مازالت المطاعم الإسلامية ومحال المنتجات الحلال منتشرة في أحياء المدينة، وهو ما يسهل المعيشة اليومية لرجال الأعمال العرب.
وطبعا أكثر ما يعجبهم في الصين هو الأمان. فيقول اليافعي إن الصين بلد آمن حقا حيث "لم أتعرض لأي حوادث سرقة منذ مجيئ إلى هنا قبل نحو 17عاما. أما في الولايات المتحدة فصوبت مسدسات على رأسي عدة مرات لسرقة ما بحوزتي"، هكذا يتذكر التاجر المخضرم.
وتزوج اليافعي من امرأة صينية وأنجب منها طفلتين. كما اشترى شقة قبل سنوات واعتبر ذلك "صفقة مربحة" في ضوء الارتفاع الصاروخي في أسعار العقارات بالصين.
وكما فعل اليافعي، أصبح القهوجي أيضا نسيبا لعائلة صينية. ويعترف بأنه كان هناك بعض الخلافات في بداية الزواج. ولكن "في النهاية عندما يأتي الاختلاط والتعارف عن قرب، صارا والد زوجتي في مقام والدي الحقيقي ويعاملني كابنه مائة في المائة ويقول لي إنك أحسن أولادي"، هكذا يتحدث القهوجي ضاحكا.
وسبق للقهوجي أن اصطحب ابنه وابنته مرات إلى الأردن في زيارة للعائلة. ووجدهما لا يستغربان الحياة هناك ويشعران بالسعادة، "لكنني، على العكس منهما، لا أتعود على الحياة سوى في الصين".
ويقول "إننا لا نشعر بالتمييز، بل نشعر بالاستقرار والراحة هنا".
ومن جانبه يشير الحراحشة إلى أن قوانغتشو تتميز بتقبل الأجانب، حيث يتبنى سكانها موقفا أكثر انفتاحا وتسامحا عند تعاملهم مع الجاليات الأجنبية، ويضيف "نشعر نحن العرب أن تقاربنا مع الصين أكثر منه مع الغرب لأننا جميعا من الشرقيين".
ويضيف القهوجي أن في الثقافتين الصينية والعربية قواسم مشتركة كثيرة، مثل المفاهيم العائلية واحترام الآخرين كبارا كانوا أم صغارا.
وفي الواقع يعتبر الكثير من المسلمين المحليين في قوانغتشو من ذرية التجار العرب القدامى ويحافظون حتى الآن على عاداتهم الإسلامية. ففي وسط المدينة يوجد جامع عريق اسمه "هوايشنغ" يرجع تاريخ بنائه إلى القرن السابع ويجمع بين خصائص العمارة الصينية الكلاسيكية والإسلامية، حيث يفد إليه المسلمون الصينيون والأجانب لأداء الصلاة بكل حرية.
ومعلقا على ذلك، يقول الحداد إنه يصلي الجمعة في مسجد قرب مكتبه، حيث يشعر بالأمان مع تواجد رجال الشرطة لضمان النظام والمرور وبتقبل السكان المحليين غير المسلمين لأدائهم لشعائر الصلاة.
وبالنسبة إلى رجل أعمال عربي حضر ومعه أولاده إلى الصين مثل الحداد، فهو يفضل الحاقهم بمدرسة عربية. ونظرا لهذه الاعتبارات، شيدت مدرسة عربية خاصة قبل أربع سنوات، ألا وهي مدرسة كانتون التي تقبل الطلاب في جميع المراحل التعليمية بدءا من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية ويدرس فيها حاليا نحو أربعمائة طالب عربي، معظمهم من اليمنيين، ويقوم على العملية التعليمية فيها أكثر من 30 معلما عربيا مهنيا وأكثر من 10 معلمين صينيين.
ومن جانبه، ذكر تساو جيان لين المتخصص في إقامة مدارس دولية والمتعاون مع مجلس إدارة المدرسة العربية في الوساطة مع الجهات الحكومية المعنية أن عدد الطلاب العرب والهنود تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، في توجه يتفوق على عدد الطلاب الكوريين واليابانيين.
ويؤكد على أهمية انتهاج النهج التعليمي العربي، فيقول إن العرب حريصون على دينهم ولغتهم، وهذا أمر جدير بالاحترام حقا.
ومن جانبه يقول الدكتور حسين العاقل رئيس مجلس إدارة مدرسة كانتون إن حكومة قوانغتشو متعاونة وتولي اهتماما متزايدا بالمدرسة، مضيفا أن المدرسة تشكل جزءا من التبادل الثقافي الصيني ــ العربي، وتلعب دورا حيويا في الحفاظ على الخصائص اللغوية والثقافية للطلاب وتساعدهم في فهم الصين والتعامل معها بشكل أفضل لأن المدرسة تضع اللغة الصينية بين مناهجها.
وبعد التحاق أبنائه الثلاثة بمدرسة كانتون، أصبح وضع رجل الأعمال اليمني الحداد أكثر استقرارا، ففي الوقت ينشغل فيه بأعماله التجارية بكل حماسة، يعكف على تأمل موضوع مبادرة الحزام والطريق. ويعتزم كونه رئيس العلاقات العامة في منتدى رجال الأعمال العرب في الصين، إقامة منتدى يعرّف التجار العرب الآخرين على هذه المبادرة والفرص الكامنة فيها.
والطموح الأكبر الذي لا يفارق خياله يكمن في دراسة الدكتوراه حيث يعتزم إقامة أطروحة الدكتوراه حول إمكانات توسيع آفاق التعاون الاقتصادي الصيني ــ العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويقول "لقد بلغت من العمر 45 ربيعا، وفي هذا العمر أرى أن عليّ التفكير في خدمة المجتمع اليمني بوجه خاص والعربي بوجه عام من خلال دراساتي".