بقلم: عباس جواد كديمي
في مطلع شهر مارس/آذار من كل عام، يبدأ في الصين، الموسم السياسي، حيث تعقد الدورتان السنويتان لمجلسي نواب الشعب والمستشارين السياسيين. وفي كل دورة من هذه الدورات، هناك الكثير من المهام الصعبة والمعقدة في هذا البلد الأكبر في تعداد السكان عالميا، والذي يتولى اقتصاده منذ عدة سنوات، قيادة قاطرة الاقتصاد العالمي.
خلال العقدين المنصرمين على الأقل، وفي كل موسم سياسي- تشريعي بالصين، تتجه الأنظار إلى هذا البلد، لما تتمتع به هاتان الدورتان من أهمية على الصعيدين المحلي والعالمي. فما هي أبرز نقاط الجذب خلال الدورتين، ولماذا تتمتع بالأهمية محليا وخارجيا؟
الدورتان تبرزان الثقة السياسية بالصين ودورها المتزايد عالميا
هاتان الدورتان محط الاهتمام العالمي لأنهما تبرزان سياسات الصين محليا وخارجيا في عدة مجالات هامة. فخلال أكثر من ربع قرن مضى، ازدادت أهمية الدور الذي تلعبه الصين على الساحة الدولية، بعد أن تعززت قوتها الشاملة بشكل لا يمكن تجاهله، وأصبح صوت الصين، وهي العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، أكثر مساهمةووضوحا في الشئون الدولية، لا سيما سياستها الخارجية السلمية المستقلة، ومساهماتها الإيجابية ودعواتها البناءة للتقارب والانفتاح بدل المواجهة والانغلاق، والتسويات التفاوضية السياسية بدل النزاعات والحروب، وعدم التدخل بالشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام التقاليد والعادات والتنوع بالعالم. هذه المساهمات والأدوار الفعالة هي نتيجة تطور هائل شهدته الصين خلال الفترة المذكورة أعلاه، وذلك بفضل التنمية الاقتصادية العجيبة وما نتج عنها من تطور هائل بكافة مستويات الحياة في الصين. وهذه التنمية الاقتصادية العجيبة لم تكن لتتحقق لولا سياسة الإصلاح والانفتاح التي تبنتها الصين منذ عام 1978، ولولا حرص الصين على تهيئة البيئة المحلية والإقليمية والدولية السلمية المناسبة. وفي ظل هذه الحقيقة، تكون حالة الاقتصاد الصيني ووضعية نموه، نقطة اهتمام بارزة محليا وعالميا.
التنمية الاقتصادية الصينية وأثرها الشامل
خلال نحو 20 سنة مضت، ظلت الصين أكبر محرك للنمو الاقتصادي بالعالم، ولذلك، لا عجب بأن يهتم بها العالم، لأن هذا المحرك مهم للجميع. وبسبب هذه الأهمية، تتركز المتابعة والتدقيق بكل صغيرة وكبيرة تتعلق باقتصاد الصين، وقد يتم التركيز – كما هو الحال في معظم وسائل الإعلام- على نقاط تثير المتابعة والقلق. ولكن هل هناك فعلا ما يدعو للقلق حول اقتصاد الصين؟ الجواب بالتأكيد هو لا، لأن حيوية اقتصاد الصين وعوامل السوق الهائلة والقوى العاملة الكبيرة جدا والمؤهلة نسبيا، وقوة جذب السوق للاستثمارات، والتطور العلمي والتكنولوجي المساعد على الابتكار، والسياسات المتزنة والتكيف المستمر، هي من تقف وراء الثقة بالاقتصاد الصيني.
في الحقيقة، أنه على مدى العام كله، هناك متابعات متواصلة لأحوال الاقتصاد والسوق محليا وعالميا، ولكن خلال الدورتين تتركز الآراء والنقاشات أكثر على نتائج دراسات ومتابعات العام المنصرم، والعام التالي، وهذا هو جوهر أو فحوى تقرير عمل الحكومة الصينية، أي ما الذي تحقق وما الذي سيتحقق. وعلى هذا الأساس، فإن أول ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، كان هدف معدل النمو الاقتصادي للصين خلال عام 2017، وهو 6.5% أو أكثر إذا أمكن خلال التنفيذ.
وقد ركزت وسائل الإعلام على عدة جوانب إثر هذا الإعلان، ولاسيما لماذا خفضت الصين هدف نموها؟ وماذا تعني عبارة إذا أمكن خلال التنفيذ؟ وما تأثير ذلك على السوق والاستثمارات والقطاعات الحيوية الأخرى بالبلاد، وتأثير ذلك على الاقتصادات الأخرى بالعالم؟، وهذا دليل على أهمية كل ما يصدر عن الدورتين، خاصة بالمجالات الاقتصادية والسياسية.
الحكومة الصينية تتحمل مسئولية كبيرة، لأنها تحت متابعة دقيقة جدا، محليا وعالميا، حتى قبل ظهور وسائل الإعلام والتواصل الحديثة. فكيف أضحى الحال مؤخرا في ظل أن الكل يراقب عمل الحكومة، ويتابع تعهداتها!. إن ما تحقق من تنمية شاملة في المجتمع الصيني، قد رفع سقف مطالبات المواطن للحكومة، ولم يعد المواطن الصيني يركز اهتمامه على الطعام والملبس والمسكن، بل تعدت الاهتمامات حاليا، لمستويات عالية ماديا ومعنويا وروحيا.الصين، حزبا وحكومة، تدرك جيدا صعوبة مهامها، ولكنها تصر على خوض النضال ومواصلة التجربة التنموية لصالح الصين وشركائها بالتنمية. ومن العوامل التي تعزز الثقة بالاقتصاد الصيني، هي سعي الصين المتواصل للتكيف مع المتغيرات محليا وعالميا. ففي ظل انكماش الاقتصاد العالمي، كان لا بد من التركيز على حفز الاستهلاك المحلي، وتعزيز جذب الاستثمارات وفعالية استخدامها في مشاريع نافعة، وتوسيع محيط الاستثمارات الصينية ودفعها نحو الخارج، وهي أهداف طموحة أفرزت مبادرة صينية كبيرة تعرف حاليا بمبادرة الحزام والطريق(الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21)، وهي مبادرة هائلة بدأت فعلا، وتحقق نتائج كبيرة حيوية تعزز حيوية اقتصاد الصين.
الصين تدعو بجدية إلى تنمية تشاركية، ذات منفعة متبادلة للأطراف المشاركة على قدم المساواة بمشاريع التنمية، وتدعو للانفتاح والتعاون، وتعارض الحمائية بكل أنواعها، وهذا ما يصفه محللون اقتصاديون وسياسيون بأنه النموذج الأنجح للتنمية وتحقيق الفائدة، على عكس دعوات من الإدارة الأمريكية الجديدة، وإدارات غربية أخرى، للانغلاق والحمائية.