الرئيس الصيني يجري محادثات مع العاهل السعودي |
بقلم قونغ تشنغ،مساعد باحث قى مركز بحوث الشرق الأوسط بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة
أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود زيارة دولة إلى الصين من يوم 15 إلى 18 مارس الحالي،وتتمتع هذه الزيارة بأهمية كبيرة لكلا البلدين،حيث تعتبر ثاني زيارة يقوم بها العاهل السعودي للصين منذ زيارته السابقة قبل 11 عاما،وهى أيضا أول زيارة يقوم بها الملك سلمان إلى الصين منذ أن أصبح عاهلا للمملكة العربية السعودية،كما أصبح الملك سلمان أول زعيم فى الشرق الأوسط يقوم بزيارة إلى الصين فى عام 2017. ويعتبر الملك سلمان صديقا قديما للصين،لأنه سبق له ان زار الصين فى عام 2014 عندما كان ولي العهد،وتلقى استقبالا حافلا من الصين حينذاك. كما اعلن العاهل السعودي والرئيس الصيني شي جين بينغ عن رفع مستوى العلاقات بين البلدين الى الشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال زيارة الأخير للسعودية فى يناير من العام الماضي.وتشير زيارة الملك سلمان للصين بعد مرور ثلاث سنوات على زيارته السابقة إلى تقدم التعاون الصيني- السعودي إلى مستوى أعلى.
ويمكن أن نرى من استعراض تاريخ التطور للعلاقة الصينية – السعودية خلال العقدين الماضيين بأن العلاقات بين البلدين تشهد " تجاوزات ثلاثة" فى الوقت الحاضر.
أولا،تجاوز التعاون الصيني- السعودي فى مجال الطاقة العلاقة التجارية البسيطة، ليصل إلى الالتحام بين مسارات التنمية بهما. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والسعودية إلى 51 مليار دولار في عام 2015 و42.3 مليار دولار فى عام 2016،وتمكنت الصين من الحفاظ على مكانتها كأكبر شريك تجاري لدول الشرق الأوسط لسنوات عديدة. وتشهد صادرات السعودية النفطية إلى الولايات المتحدة انخفاضا مع زيادة الأخيرة المستمر فى انتاج النفط الصخري،وأصبحت الصين،كأكبر مستورد للنفط فى العالم،زبونا رئيسيا للنفط السعودي.واتخذت السعودية العديد من التدابير فى محاولة الحفاظ على مكانتها الرائدة فى السوق الصينية فى ظل المنافسة المتزايدة فى سوق الطاقة الصينية،لا سيما منافسة روسيا وايران اللتين تعتبرين المنافسين الرئيسيين لها فى السوق الصينية.كما توصلت الصين والسعودية إلى توقيع عدد من اتفاقيات التعاون فى الطاقة المتجددة والطاقة النووية والفضاء وغيرها من المجالات. ويبحث البلدان الآن الالتحام بين "الحزام والطريق" و"رؤية 2030" لتحقيق التنسيق والتكامل بين التعاون الثنائي فى الطاقة والاقتصاد والتجارة ومسارات التنمية بهما،ودفع استقرار العلاقة الثنائية وتطويرها.
ثانيا،تجاوز مضامين العلاقة الصينية – السعودية نطاق الطاقة والاقتصاد، ممتدة إلى التعاون فى السياسة والثقافة والأمن وغيرها من المجالات العديدة.وقد شهد البلدان زيارات متبادلة كثيفة ورفيقة المستوى خلال العقد الماضي،التي تم فيها توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية،وتحقيق نتائج مثمرة تعزز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما. وبلغ متوسط زيارة مسؤولين صينيين رفيعي المستوى الى السعودية بزيارتين رسميتين اثنتين كل سنة من عام 2008 إلى عام 2016.والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية فى يناير عام 2016 وزيارة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز للصين فى سبتمبر من العام الماضي دفعتا بتوقيع اتفاقيات تعاون فى مجالات متعددة،وأعلنت الدولتان أيضا عن تعميق التعاون الأمني بينهما. وفى ضوء هذه الخلفية، نظمت الصين والسعودية أول مناورة مشتركة بينهما لمكافحة الإرهاب فى يوم 27 أكتوبر من العام الماضي،كما وقعتا فى يوم 6 نوفمبر من العام الماضي اتفاق تعاون أمني لمدة خمس سنوات يركز على المناورات والتدريبات المشتركة بين الأجهزة الأمنية لهما،ما يدل على تعزيز الثقة المتبادلة بين المسؤولين الرفيعين فى البلدين على نحو متزايد، ولعب دورا كبيرا لدفع تطور العلاقات الثنائية.
ثالثا، تجاوز العلاقات بين الصين- السعودية منطقة الشرق الأوسط، لتصبح تعاونا استراتيجيا على المستوى العالمي. حيث يعتبر تعزيز العلاقة مع السعودية أمرا مهما بالنسبة للصين،لأن السعودية تعد "عملاقة النفط" ومهد الإسلام ودولة عربية سنية كبيرة،ودولة قوية فى المنطقة وذات نفوذ عالمي.وفى ظل التوسيع السريع للمصالح الصينية فى الخارج والفوضى المستمرة فى الشرق الأوسط،فان تطوير العلاقة الصينية - السعودية لا يفيد التنمية فى كلا البلدين وتحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط فقط،بل هو مساهمة كبيرة للحفاظ على السلام والأمن فى العالم أيضا.ومن جهة أخرى، تعتبر الصين شريكا استراتيجيا مستقرا وموثوقا وناشئا للسعودية. وفى ظل تراجع اعتماد الولايات المتحدة على الطاقة الأجنبية وتشدد انعزالية حكومة ترامب،لا بد للسعودية ان تخطط استراتيجية التنوع الدبلوماسي بجد، بالرغم من ان الولايات المتحدة لا تزال "الدعامة" الأمنية الكبرى للسعودية،الأمر الذى من الصعب تغييره فى المستقبل المنظور.
ويمكن أن نرى من خلال استعراض عملية تطور العلاقة الصينية – السعودية أن الصين والسعودية وجدتا "منطقة تعاون مريحة". سياسيا، تعزيز الثقة المتبادلة وحل الخلافات بشكل معقول على أساس الاحترام المتبادل للسيادة؛ إقتصاديا، يهتم البلدان بإجراء التعاون العميق والشامل على أساس الطاقة ويعملان على الالتحام بين مسارات التنمية بهما؛ أما على مستوى الاستراتيجيات،فتهتم الصين والسعودية بالاحترام المتبادل ودفع تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط وتعزيز السلام والأمن فى العالم.فمن المتوقع ان زيارة الملك سلمان الجارية للصين ستعمق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين،كما ستخطط مستقبل العلاقة الثنائية على المستوى الاستراتيجي،مما تعتبر حدثا جليلا فى تاريخ التبادلات الودية بين الصين والسعودية.