أدان المجتمع الدولي الهجمات الإرهابية التي وقعت في تركيا وألمانيا في 19 ديسمبر الجاري، ما أعاد مجددا التفكير في ضرورة توحيد الجهود من أجل مقاومة الإرهاب.
مازالت خلفية الهجومين غير معلومة إلى حد الآن، لكن الطريقة التي تمت بها العمليتين، تكشف تغيرات جديدة في وضع مقاومة الإرهاب. حيث إتخذ الإرهاب خلال عام 2016 إتجاهات التدويل، المحلّية والتشظي والشبكية. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الأنشطة الإرهابية التي يحفزها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، تبقى مقاومة الإرهاب عالقة بين لعبة الدول الكبرى، وخاصة في تأخر توحيد الجهود الأمريكية والروسية.
ذكّرت عملية إغتيال السفير الروسي لدى أنقرا في 19 ديسمبر الجاري، بحادثة إغتيال السفير الأمريكي بقنصلية بنغازي في 11 سبتمبر 2012. لكن رغم ذلك، ظلت هناك خلافات كبيرة بين أمريكا وروسيا منذ بدء الإضطرابات في شمال إفريقيا وغرب آسيا، في الوقت الذي يفرض فيه الإرهاب تحديات مشتركة تأخر توحيد الجهود الأمريكية الروسية لمواجهتها.
شهدت منطقة الشرق الأوسط مؤخرا معركتين حاسمتين، الأولى خاضها الجيش العراقي في مدينة الموصل، لتحريرها من" داعش"، والثانية إستعادة جيش النظام السوري لمدينة حلب من سيطرة "جبهة النصرة "بفضل الدعم الروسي. لكن موقف أمريكا وبقية الدول الغربية متضارب من هاتين المعركتين. فمن جهة، رحبت ودعمت معركة الموصل، وأرسلت جنودا لدعم جبهة مقاومة الإرهاب، وعبرت عن أملها في إستعادة الجيش العراقي لسمعته التي تأثرت بالحرب؛ ومن جهة ثانية، عارضت معركة حلب، ودافعت عن "جبهة النصرة"، وأدانت روسيا بإرتكاب أزمة إنسانية في سوريا.
ورغم إدانة مختلف الحكومات الغربية لحادث إغتيال السفير الروسي في تركيا، لكن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، إعتبرت الإغتيال" ردّا على دعم روسيا لنظام بشار الأسد ولإستهدافها المدنيين السوريين."
كان يصف مؤسس "موسسة هادج"، جورج سوروس، "الصدمة الثانية" للإرهاب: قد جلعت الناس يحيدون على التفكير العقلاني، والذي أدى بدوره إلى الحيد عن السلوك العقلاني. وقد أثرت الصدمة الثانية للإرهاب على منطق البعض في مقاومة الإرهاب.
يعد الإرهاب خطرا مشتركا بالنسبة للبشرية جمعاء، ومقاومته مسؤولية ملقاة على عاتق مختلف الدول. لكن هناك بعض الدول التي تتخذ معايير مزدوجة في مقاومة الإرهاب، وأحيانا تستعمل مقاومة الإرهاب كوسيلة لتحقيق مصالح معينة، ولا شك في أن عواقب هذا السلوك خطيرة ومؤلمة. وفي الوقت الذي تتبنى فيه الدول الغربية وروسيا مواقف متباينة من النقاط الساخنة في سوريا والشرق الأوسط، لايفرق الإرهاب بينهما، فقد شهدت يوم 19 ديسمبر الجاري، هجومين إرهابيين إستهدفا روسيا وألمانيا. لذا، فإن إنتشار التطرف والإرهاب لايخدم مصلحة أي طرف، وما على هذه الأطراف إلا نبذ الخلاف وتوحيد الجهود في مواجهة الإرهاب.
كتب المؤرخ البريطاني، نيل فيرغيسون عن خطر الإرهاب الذي يواجهه العالم قائلا: "خلال فترة السلم القصيرة بأكملها، كنت أشك دائما في عودة الأشباح التي تحدث عن دوستوفسكي." وإذا أردنا أن نعرف ماذا يجب فعله في المرحلة القادمة على مستوى التعاون في مقاومة الإرهاب، فعلينا أن ننظر إلى الوضع في سوريا والعراق، حيث يتمثل التحدي الرئيسي في عرقلة قوى الإرهاب في تأسيس قاعدة لها في هذين البلدين. في ذات الوقت، يجب مضاعفة الجهود لمنع إنتشار الإيديولوجيات المحرضة على الإرهاب، ورفع مستوى الحضر من هجمات "الذئب المنفرد"، ومعالجة الصراعات الدينية والجيوسياسية التي يسهل إستغلالها من قبل المنظمات الإرهابية. ولإيقاف "الأشباح"، يجب أن تضافر مختلف الدول جهودها من أجل مقاومة الإرهاب.