الخرطوم وبكين..علاقات "حديدية" ومصالح إستراتيجية

بقلم/ محمد عبد العزيز

لا يجد الصينيون أفضل من الحديد لتشبيه معدن صديقا شديد الاخلاص، عظيم الوفاء، وقد استخدم نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية لي يوان شاو تعبير "صديقا من حديد" لوصف متانة العلاقات الصينية السودانية، عند لقائه بوزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور نهاية الأسبوع الماضي، وتمثل زيارة غندور الأولى من نوعها للرجل في منصبه كوزير خارجية، الا ان بكين شهدت في اوقات سابقة العديد من الزيارات له لاسيما وان غندور كان حتى وقتا قريب الرجل الثاني في الحزب الحاكم في السودان، وقد اتت الزيارة لاحكام التنسيق بين الطرفين في الجوانب السياسية والاقتصادية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

ثقة إستراتيجية

تمثل العلاقات بين السودان والصين نموذجا ناجحا لتعاون دول الجنوب، وقد شجعت تجربة الصين في الشراكة مع السودان العديد من الدول الإفريقية على خلق شراكات مماثلة، ويبدو مستقبل هذه العلاقة واعدا في ظل تنامي أهمية البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومبادرة "الحزام والطريق".

في الوقت الحالي تعد الصين أكبر شريك تجاري للسودان، ويبلغ عدد المشروعات الصينية في السودان نحو 176 مشروعا وشركة مستثمرة في السودان بقيمة اجمالية تتجاوز 14 مليار دولار، فيما يبلغ اجمالي الاستثمارات المصدق بها للسودان حوالي 68 ملياردولار حتى العام 2016م .

والناظر للعلاقات بين البلدين يرى أن الشراكة الاقتصادية تحولت إلى شراكة اقتصادية وسياسية واجتماعية كما ان البلدين يتبادلان الدعم والمساندة في المحافل الإقليمية والدولية، وقد اكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين تنامت وأن الصين عازمة على الحفاظ على الثقة الإستراتيجية المتبادلة وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والقدرة الانتاجية والزراعة والطاقة المتجددة والتبادلات الشعبية، فيما قال نظيره السوداني: " اذا كان السودان صديق حديد بالنسبة للصين، فنحن نعتبر الصين صديقا في وقت الشدة وبالتالى فإن هذه العلاقة مرشحة لأن تتطور إلى أكثر من ذلك".

وتحرص الخرطوم على الاستفادة من الخبرات الصينية لزيادة الانتاج النفطي في السودان لتعويض خروج النفط من دورة الاقتصاد السوداني بعد انفصال جنوب السودان، بجانب زيادة الاستثمارات وتنويعها في مجالات اخرى كالصناعة عبر الحظائر الصناعية، والتعدين، والزراعة.

وقد شهدت الفترة الاخيرة توقيع اتفاقية حول مشاريع زراعية نموذجية، وأنتقل التعاون الزراعي الآن بين البلدين إلى مرحلة التصنيع الزراعي، ويبدو التعاون في مجال الزراعة واعدا للبلدين لا سيما و أن السودان بلد زراعي يوصف بانه "سلة غذاء العالم" لامتلاكه لمقومات كثيرة من مساحات شاسعة من الأراضي ومياه متنوعة ويمكن أن يستفيد من تجربة الصين في التنمية الزراعية.

وأسس السودان والصين شراكة استراتيجية فى سبتمبر الماضى، ما أسفر عن الارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين، لتشمل مجالات الطاقة والتعدين والفضاء والبحث العلمي والزراعة والتجارة والنقل والمواصلات والاتصالات.

ويشكل التبادل التجاري والاقتصادي بين السودان والصين، إحدى ركائز علاقات التعاون المشترك بين البلدين، وقد شهد تطوراً ملحوظاً ونقلة نوعية خلال الفترة الأخيرة أثمرت قيام مشروعات ملموسة في مجال التنمية والبنية التحتية، سواء في ازدياد حجم الميزان التجاري والاستثمار بين البلدين وقيام مشروعات ملموسة في قطاع البترول والكهرباء والمعادن والطرق والجسور.

واتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين منها برتوكول التعاون الزراعي، واتفاقيات الطيران المدني والتمويل، والبترول مقابل المشروعات، بجانب اتفاقية قروض نقدية؛ كل هذه الاتفاقيات عمقت العلاقات وخلقت قاعدة صلبة من المصالح الاقتصادية المشتركة، وحفزت المؤسسات الصينية لزيادة حجم التمويل المقدم للسودان، وشجعت العديد من الشركات للاتجاه للسودان بحثاً عن فرص جديدة، خاصة مع التسهيلات الخاصة التي تمنح للشركات الصينية.