بكين 26 إبريل 2016 / من خلال عقدها العزم على تنويع قاعدة اقتصادها وفك ارتباطه بالنفط، جاء إعلان السعودية يوم الاثنين عن ملامح خطة عريضة للإصلاح الاقتصادي والتنموي "رؤية السعودية 2030" تشمل أول طرح لأسهم شركة (أرامكو) النفطية السعودية للإكتتاب العام وإنشاء صندوق ثروة سيادية وغيرهما من الإجراءات الإصلاحية التي تساعد على النهوض الاقتصادي وزيادة فرص العمل والاستثمارات في أكبر دولة منتجة للنفط بمنظمة الدول المصدرة للنفط )أوبك(.
وفي الواقع، تكثف المملكة العربية السعودية تحركاتها عقب إخفاق اجتماع أعضاء أوبك وغيرها من الدول المنتجة للنفط في التوصل إلى اتفاق بشأن تجميد الإنتاج في 17 إبريل الجاري. علاوة على أنها خططت مؤخرا لاقتراض عشرة مليارات دولار أمريكي من بنوك كبرى في العالم لتصبح هذه هي المرة الأولى منذ 15 عاما التي تلجأ فيه السعودية لمصارف أجنبية للحصول على قرض سيادي.
ويأتي طرح "رؤية السعودية 2030" لمواجهة تحديات تراجع أسعار النفط الذي يشكل نسبة تقارب الـ90% من الميزانية العامة للدولة وسط توقعات باستمرار هذا التراجع الذي وصل في الآونة الأخيرة إلى أكثر من 40 دولارا للبرميل.
وسجلت السعودية في موازنتها العامة للعام 2016 عجزا قدره 87 مليار دولار جراء انخفاض أسعار النفط وارتفاع الإنفاق على الأمن والدفاع وخاصة ذلك المتعلق بالأزمات في سوريا واليمن.
ورغم الارتفاع المؤقت في أسعار النفط مؤخرا بسبب الحفز الناتج عن احتمالية تجميد الإنتاج، إلا أن المحللين يشيرون إلى أنه حتى لو كانت الأطراف قد نجحت في التوصل إلى اتفاقية تجميد الإنتاج، فالوضع العام لن يغير من اتجاهه المتمثل في وجود عرض مفرط من النفط. ويرون أن أسعار النفط ستعود إلى مستوى معقول عاجلا أم آجلا .
لذلك، ما من حل أمام السعودية التي تواجه تحديات مزدوجة من انخفاض أسعار النفط وفقدان الحصص في السوق، سوى السعى إلى الخروج من مأزق "عهد انخفاض أسعار النفط" من خلال إجراء إصلاحات داخلية.
وفي ظل تقديرات تشير إلى أن حجم إنتاج النفط لشركة (أرامكو) يمثل 12% من إجمالي إنتاج النفط العالمي وأن قيمة الشركة تقدر بتريليونات الدولارات الأمريكية ، فإن طرح حصة قليلة من أسهم (أرامكو) للإكتتاب العام سيساعد السعودية في جمع أموال ضخمة لإحتواء التحديات الملحة التي يفرضها "عهد انخفاض أسعار النفط".
وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها السعودية إجراءات إصلاحية اقتصادية. ففي الحقيقة، شرعت الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة في تعديل الهيكل الاقتصادي من خلال تخفيف اعتمادها على العائدات النفطية من جهة، والاهتمام من جهة أخرى بتطوير الزراعة والتشجيع على الاقتصاد الخاص والمنافسة الحرة ودعم الشركات الخاصة والشركات ذات الاستثمارات المشتركة للقيام بأعمال ومشروعات بهدف تحقيق التنويع الاقتصادي. ومن خلال ذلك، استطاعت تحسين الهيكل الاقتصادي القديم المتمثل في الاعتماد المفرط على العائدات النفطية، بل وحققت نتائج طيبة.
وتعتبر الخطط المنصوص عليها في "رؤية 2030" التي أقرها مجلس الوزراء السعودي هذه المرة أكثر الإصلاحات جرأة وطموحا منذ إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932. وفي هذا الصدد، يعرب المحللون عن تفاؤلهم إزاء هذه الخطط ودعمهم لها، غير أنهم لفتوا أيضا إلى أن أكبر تحدياتها تكمن في تنفيذ التفاصيل.
إن السعودية تسعى على الدوام إلى اعتماد سياسات تهدف إلى تنويع اقتصادها، بيد أن العقبات الهيكلية والتي لا تزال قائمة في الوقت الراهن حالت دون تطويرها بشكل مستمر. وتتمثل العقبة الرئيسية في أن الاقتصاد السعودي كله يكاد يعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على الإنفاق الحكومي، إذ يعمل في القطاع العام ثلاثا العاملين بالبلاد، وبالتالي يأتي دخل معظم الأسر السعودية من الأجور التى تدفعها الحكومة بينما يعمل في القطاع الخاص عدد كبير من العمالة المهاجرة لتشكل 80% من إجمالي عدد العاملين فيه، وتمثل الأجور المنخفضة لهذه العمالة المهاجرة عائقا أمام توظيف السعوديين في هذا القطاع .
وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر في تقرير أصدره مؤخرا أن الإصلاح في سوق العمالة السعودي خطوة ضرورية، مقترحا أن تقلص الحكومة السعودية من التوظيف في القطاع العام وتسيطر على الأجور في هذا القطاع، وتهتم بتعليم المهارات الضرورية في القطاع الخاص وتشجع المواطنين السعوديين على العمل والتنافس فيما بينهم في هذا القطاع.
وفي هذا الصدد، رأى الخبير الاقتصادي الصيني جين تشنغ أن السعودية تواجه حاليا أزمات مالية ويتمثل أهم شيء بالنسبة لها الآن في التغلب على هذه المصاعب حتى تركز قواها على تحقيق التحول الاقتصادي.
وألمح إلى أنه مع اعتماد حوالي 12 دولة في العالم على العائدات النفطية باعتبارها المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، فإن "رؤية المملكة 2030" تظهر عزم السعودية الحازم على تحقيق التحول الاقتصادي وتحمل دلالة هامة تتمثل في أن هذه الرؤية ستغدو بمثابة إلهام للبلدان الأخرى.