بكين 21 أبريل 2016 / على مدى ثمانية أيام، أوقفت الشرطة الأمريكية نحو1200 متظاهر إثر محاولتهم الاعتصام أمام الكونغرس الأمريكي للتنديد بما وصفوه بالفساد السياسي وتأثير المال على السياسة الأمريكية. ورغم أن المظاهرات انفضت يوم الاثنين، إلا أن نضال الشعب الأمريكي ضد زج المال بالسياسة لن يتوقف.
فكلما يحل موسم انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، تأتي معضلة ربط السياسة بالمال في الصدارة وسط تصاعد موجات معارضة الأمريكيين لهذه المعضلة وكفاحهم ضدها. وفي العام الجاري على وجه الخصوص، صار الغضب الدفين في نفوس الأمريكيين تجاه هذه المعضلة سائدا بين الأحزاب والأعراق والأجناس على اختلافها، وأصبح أكثر قوة وشيوعا ودواما وبات يمثل "النبرة الأساسية" للانتخابات الرئاسية 2016.
وثمة عدد من الأمثلة يبرهن على ذلك، إذ تباهى دونالد ترامب الذي يتصدر السباق الجمهوري إلى البيت الأبيض، تباهي مرارا بقوله إن المزايا التي يمتلكها لا تجيد فقط التعبير عن غضب الشعب تجاه معضلة ربط السياسة بالمال، وإنما تستطيع أيضا أن تجعل هذا الغضب مسموعا بكل وضوح. ويرى الكثير من الأمريكيين أن هذا الملياردير النيويوركي قدم ولمرات عدة فيما سبق تبرعات سياسية، وتورط هو نفسه بشكل مباشر في معضلة ربط السياسة بالمال. لذا، من سخرية القدر أن يصبح ترامب "متحدثا باسم الغضب".
وتعتقد وسائل الإعلام الأمريكية أن ارتباط المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون بعلاقات جيدة مع مؤسسة مالية أمريكية عملاقة مثل (وول ستريت) يساعدها من ناحية على تصدر الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لكنه يؤدى من ناحية أخرى إلى إحجام الكثير من الناخبين عن التصويت لها في ظل غضبهم مما تقدمه لها شركات ضخمة وشخصيات فاحشة الثراء من تمويلات لحملتها الانتخابية.
بل ومؤخرا، وجه نجم هوليوود الشهير جورج كلوني الدعوة للمشاهير ورجال الأعمال النافذين والمؤيدين لهيلاري كلينتون إلى حفل عشاء ضخم أقيم بمدينة لوس أنغليس لجمع تبرعات لحملتها الانتخابية حيث بدأ سعر تذكرة الحفل من 34 ألف دولار أمريكي وتبرع كل زوج من الضيوف بزهاء 353 ألف دولار.
وهكذا، من المتوقع أن يصل ما تم إنفاقه على الحملات في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 إلى خمسة مليارات دولار لتصبح "أكثر الانتخابات تكلفة" في التاريخ الأمريكي. وعادة ما يكون الفوز حليف المرشح الذي يخصص قدرا أكبر من التمويلات لحملته في الانتخابات الأمريكية.
وقد كشفت استطلاعات الرأى الداخلية التي أجريت مؤخرا أن ثمانية من كل عشرة أمريكيين يشعرون بعدم الرضا والغضب وكان السبب الرئيسي وراء غضبهم هو تزايد تأثير الشركات الكبيرة والشخصيات شديدة الثراء على الحياة السياسية الأمريكية وما يتمخض عن ذلك التأثير من تقويض لحق المصوتين العاديين في التعبير عن آرائهم، ولاسيما وأن أحكاما متتالية صدرت منذ عام 2010 عن المحكمة العليا الأمريكية خففت من القيود المفروضة على التبرعات السياسية المقدمة من المؤسسات والأفراد والتي تفتح الباب على مصراعيه لزج المال بالسياسة.
وخلال المظاهرات التي أقيمت أمام مبني الكابيتول هيل،أعرب الكثير من المتظاهرين عن اعتقادهم بأن الأموال ستتدفق كالسيول والفيضانات إلى الأوساط السياسية في واشنطن بعد فتح هذا الباب، بل ويؤمنون بأن صوتا واحدا في أيديهم لن يساوي صوتا واحدا لدى الأغنياء .
وقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر خلال مقابلة تليفزيونية في العام الماضي إن معضلة ربط السياسة بالمال التي تفتح قناة تتطلب ضخ قدر ضخم من الأموال ألحقت "أضرارا يتعذر إصلاحها" بالنظام السياسي الأمريكي.
وفي الواقع، إن الأموال ليست إثما في حد ذاتها، ولكن هناك أشياء لا تشترى بالمال، ولا يمكن التغاضي عن معضلة ربط السياسة بالمال حتى ولو كان ذلك في ظل إطار قانوني أو منهجى لأنها تفسد الحياة السياسية والبيئة الاجتماعية برمتها، وهذه مسألة تتفق عليها دول العالم التي تشهد عملية تحديث.
ويبدو أن حجم ظاهرة الغضب في انتخابات الرئاسة الأمريكية خلال الأسبوع الماضي كان محدودا، غير أنه لا يمكن تجاهل حالة الاستياء الاجتماعي القائمة، وقد يدفع بعض الساسة ثمن تجاهلهم لغضب الشعب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية، وليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة.