بكين 20 فبراير 2016 / في الأيام الأخيرة، إدعت الولايات المتحدة مرارا أن الصين تقوم بعسكرة بحر الصين الجنوبي في ظل نشر الصين لمنشآت دفاع وطني محدودة وضرورية في جزيرة يونغشينغ. وفي الواقع، تتسبب هذه الإدعاءات في مفاقمة التوترات بالمنطقة. غير أن سلسلة التحركات الأمريكية الأخيرة ما هي إلا حيلة "اللص الذي صرخ بأنه أمسك باللص" التي تعودت الولايات المتحدة على القيام بها بين الفنية والأخرى .
إن جزر بحر الصين الجنوبي، بما فيها جزيرة يونغشينغ تعد جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية منذ قديم الأزل . وقد أنشات الحكومة الصينية في عام 1959 مكتبا إداريا ومرافق حكومية تابعة لها في جزيرة يونغشينغ، وتقوم الصين منذ عقود من الزمان بأنشطة التعمير والنشر الدفاعي اللازمة في هذه الجزر. والآن ، تتواجد في جزيرة يونغشينغ حكومة مدينة سانشا بمقاطعة هاينان.
وإذا كانت الصين تقوم بنشر المنشآت الدفاعية اللازمة على أراضيها، فهذا يأتي في إطار ممارسة دولة ذات سيادة لحق الدفاع عن نفسها الذي يكفله القانون الدولي، ويتفق مع الممارسات العالمية، ويتسم بكونه عادل ومعقول وشرعي. لذا، ما علاقته بما يسمي بالـ"عسكرة"؟ وما علاقة الولايات المتحدة بالأمر؟
فالصين تعارض عسكرة بحر الصين الجنوبي بأي شكل من الأشكال. لكن منذ فترة طويلة، تقوم بعض الدول الفرادى بشكل غير شرعي بنشر عسكري فى جزر نانشا الصينية المحتلة، وترسل الولايات المتحدة بشكل مكثف سفنا وطائرات عسكرية إلى بحر الصين الجنوبي لاستعراض عضلاتها حتى بلغ بها الحد أنها تسعى إلى إغراء بعض الدول للمشاركة معها في إجراء مناورات عسكرية ورحلات بحرية في بحر الصين الجنوبي، وهذا في الواقع يشكل تهديدا خطيرا لسيادة الدول الشاطئية وأمنها ويدفع في اتجاه عسكرة بحر الصين الجنوبي.
ولا يصعب على أي إنسان فطن إدراك أن الوضع المتوتر في بحر الصين الجنوبي يرتبط ارتباطا وثيقا بالإستراتيجية الأمريكية التي يطلق عليها اسم "العودة إلى آسيا"، إذ أرسلت واشنطن طائرتين إحداهما استطلاع طراز "بي-8" والأخرى قاذفة طراز "بي-52" لتحلقا فوق المياه قبالة سواحل جزر نانشا الصينية في مايو 2015، ثم المدمرة "يو أس أس لاسين" في نهاية أكتوبر 2015 إلى مسافة 12 ميلا بحريا من سلسلة صخور تشوبي التي تعد جزءا من جزر نانشا، وبعدها مدمرة الصواريخ الموجهة "يو أس أس كورتيس ويلبور" إلى مسافة 12 ميلا بحريا من جزيرة تشونغجيان داو في جزر شيشا الصينية في أواخر يناير 2016، لتأتي جميع هذه التحركات الأمريكية في غضون أقل من عام واحد وتبرهن مرارا على أن الولايات المتحدة تستخدم قوتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي من أجل تنفيذ إستراتيجية "إعادة التوازن تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حرضت الولايات المتحدة حلفائها على إثارة الوضع باستمرار في المنطقة. فإذا ما قيل أن هناك جانب يقوم بعسكرة بحر الصين الجنوبي ويخلق التوترات في المنطقة ويفاقهما، فلن يكون هناك جانب سوى "العم سام".
وفي مواجهة هذه المشكلة، لم تدقق الولايات المتحدة أبدا النظر في تصرفاتها، بل على العكس ألقت باللوم على الآخرين، وقالت مرارا إنها ستواصل إرسال سفن وطائرات حربية إلى بحر الصين الجنوبي لتنفيذ ما يسمى بمهمة "حرية الملاحة" .
وعندما يُطرح عليها سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين ويقول: لماذا لا تحل السفن التجارية محل السفن العسكرية لتنفيذ "حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي؟ تفسر الولايات المتحدة ذلك بأن "دعم المصالح الأمريكية يعد من الواجبات الأساسية المنوطة بها القوات البحرية الأمريكية وأن دعم حرية الملاحة أمر قائم في أنحاء العالم". ونظرا لكون غطرسة القوة العظمى مكشوفة تماما للعالم أجمع، فالشعوب تدرك بوضوح أن عبارة "حرية الملاحة " التي تتشدق بها الولايات المتحدة تهدف إلى ضمان حرية ملاحة السفن الحربية الأمريكية على النطاق العالمي، وليس إلى ضمان حرية الملاحة التجارية التي تعد محط اهتمام البلدان الأخرى .
وكما قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤخرا، فإن عدم عسكرة المنطقة من مصلحة جميع الأطراف ولكنها لا تخص دولة منفردة، ولا ينبغي إتباع معايير مزوجة أو متعددة فيما يتعلق بعدم عسكرة بحر الصين الجنوبي، فهذه العملية تتطلب جهودا مشتركة من دول المنطقة وخارجها.
إن الولايات المتحدة ليست على الإطلاق طرفا في قضية بحر الصين الجنوبي. والصين والدول المعنية تمتلك القدرة على حل الخلافات بشكل مباشر عبر المفاوضات والمشاورات. وإذا كان لدى الولايات المتحدة نية لتقديم إسهامات من أجل تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة، فأفضل سبيل إلى ذلك هو التوقف عن تعكير المياه في بحر الصين الجنوبي.