اعلن رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف في مؤتمر الأمن في ميونيخ يوم 14 فبراير الجاري، إن العلاقات بين روسيا والغرب تحولت الى "حرب باردة جديدة". وقال:" نوصف يوميا بأننا أسوأ تهديد سواء لحلف الناتو بأكلمه أو لأوروبا أو لأمريكا أو دول أخرى". "أتساءل في بعض الأحيان، هل نحن في 2016 أم في 1962". واضاف ميدفيديف،" أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لا تغير شيئا، فمن الواضح ان العقوبات لا تتماشى مع مصالحنا الاقتصادية على المدى الطويل ... وتم اتلاف العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي ... هل نحن بحاجة الى حرب عالمية ثالثة حتى نفهم ان ما نحتاجه اليوم هو التعاون بدلا من المواجهة؟
لقد بدء سماع الحديث عن "الحرب الباردة الجديدة" منذ انتكاسة العلاقات بين روسيا والاتحاد الاوروبي وامريكا بسبب ازمة القرم، ولكن الموقف الرسمي للاطراف المعنية قيد حذر هذه الصيغة تماما. وقد كسر رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف في مؤتمر الامن في ميونيخ هذه النافذة الورقية. ويشبه الوضع الدولي الراهن من الغرب الى الشرق الى حد كبير ما يحدث قبل اندلاع الحرب الباردة. فبالرغم من سقوط جدار برلين الذي قسمها إلى شطرين على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، إلا أن حلف شمال الأطلسي(حلف الناتو) اهم رمز للحرب الباردة واكبر تحالف دولي شهدته البشرية لا يزال موجودا، ولا وجود لاي علامة لاستنفاذ حيويته ايضا. وفي عصر ما بعد الحرب الباردة، لم يضم حلف الناتو دول اوروبا الشرقية التابعة للاتحاد السوفيتي سابقا، وثلاث دول كبرى في بحر البلطيق فحسب، وانما استغل جميع الفرص للدفع بالعلاقات مع جورجيا واوكرانيا واسيا الوسطى وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، واتخاذ الفضاء الاستراتيجي للضغط على روسيا.
وقد بدأت روسيا احد ابطال الحرب الباردة منذ وقت مبكر التخلي عن سياسة " ميل الى الغرب" ، ليس في التنافس مع حلف الناتو للحفاظ على مصالحها في نطاق الاتحاد السوفياتي السابق فحسب ، وانما حتى في التدخل الغربي في الازمة الاوكرانية وارسال قواتها الى شبه جزيرة القرم، كما استخدمت روسيا وسائل مختلفة في الشرق الاوسط وشرق اسيا لتوحيد المواقف، اسقاط الانظمة وتوسيع نفوذها. واغتنمت روسيا فرصة ضرب مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية"، لإرسال القوة الجوية والقوات البرية الى سوريا. وبغض النظر عن دوافعها وكيفية التوسع، فإن هذا يشبه الى حد كبير ما قام به الاتحاد السوفياتي السابق قبل نهاية الحرب الباردة، حيث قام بغزو افغانستان، من اجل اختراق الحصار الغربي.
وفي الطرف الشرقي من القارة الأوراسية، تشهد مخلفات الحرب الباردة في شرق اسيا من التحالف بين الولايات المتحدة واليابان وبين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا وبين الولايات المتحدة واستراليا، وبين الولايات المتحدة والفلبين نهضة قوية في السنوات الاخيرة بعد أن كانت منسية في العالم لاكثر من عشرين عاما.
ولكن، في ظل القوة والاتساع، لا يزال عالم اليوم بعيدا عن مسرح الحرب البادرة المدمرة للبشرية. وفي هذا المعنى، فإن " الحرب الباردة الجديدة" مجرد صياغة للفت النظر، ونحن نامل ان يكون استخدام السياسيين لهذا الوصف مجرد تذكير العالم بالشؤون الدولية القاتمة والمعقدة، ولكننا نريد تفادي استخدام هذه الصيغة من قبل البلدان فرادى عمدا لخلق التوترات الدولية.
الاقتصاد العالمي المتباطئ، السوق العالمي المضطرب، الارهاب المتوسع، ازمة اللاجئين المتدهورة.... العالم يواجه تحديات غير مسبوقة. ولا يمكن ولا ينبغي ان تصبح " الحرب الباردة الجديدة" تحديا جديدا. وينبغي أن يستبعد " الحرب الباردة الجديدة" قبل أن تغلب على التحديات المشتركة التي تواجهها البشرية.