حمادة الحطاب - أسامة راضي
غزة 15 فبراير 2016 / لم يعد استخدام الأجهزة الذكية التي تعمل بتقنية اللمس محصورة بالمبصرين فحسب، بل أصبح بمقدور المكفوفين استخدامها أيضا وباللغة التي يعرفونها.
لحظات مؤثرة عاشتها الكفيفة الفلسطينية دلال التاجي (40 عاما) عندما تمكنت من التواصل على الانترنت مع صديقاتها، بفضل تطبيق مخصص لمساعدة الأشخاص المكفوفين على استخدام الهواتف الذكية بسهولة، وهو عبارة عن لوحة مفاتيح للهواتف التي تعمل بنظام تشغيل (اندرويد) تقوم على مبدأ الكتابة بلغة (بريل).
ويعتمد التطبيق على قالب واحد وأساسي يدعى (خلية) مكونة من ست نقاط ثلاثة في الجهة اليمنى ومثلها في اليسرى وتحتوي على جميع الرموز من الحروف والأرقام وعلامات التشكيل وعلامات الترقيم.
ومنذ حصولها على التطبيق تعلو الابتسامة على وجه التاجي.
وتقول التاجي، أشعر بأنني لست بمعزل عن الحياة الاجتماعية والتواصل مع من حولي في المجتمع.
وتضيف أن هذا التطبيق "رائع"، ويحتاج إلى ممارسة أكثر لأن الكتابة تتم باللمس، مشيرة إلى أنها تتطور في التعامل معه بسهولة أكثر كلما مارسته.
ويعد التطبيق الذي ابتكرته الشابة غدير أبو شعبان (23 عاما) التي تسكن مدينة غزة بالتعاون مع ثلاثة من صديقاتها نسخة مطورة تعمل باللمس لآلة (بريل بيركنز) التي تم اختراعها في الولايات المتحدة الأمريكية بنفس مبدأ طريقة الكفيف الفرنسي لويس بريل الذي ابتكر عام 1988 طريقة (بريل) للقراءة والكتابة لكفيفي البصر وأصبحت معتمدة دوليا حتى اليوم.
ويستطيع الكفيف من خلال التطبيق الذي أطلق عليه (بريل بورد) الكتابة في أي تطبيق يريده على هاتفه الذكي سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو الرسائل الخاصة.
وتقول أبو شعبان ل((شينخوا))، إن فكرة التطبيق الذي استغرق انجازه عام ونصف، بدأ كمشروع تخرج في الجامعة، ليرى النور الآن لمساعدة ذوي الإعاقة البصرية على استخدام التكنولوجيا وتسهيل دمجهم في المجتمع مثل أي إنسان عادي مبصر.
وتشير إلى أن وجود التطبيق على الهواتف الذكية للمكفوفين يعمل على تعزيز وجودهم وكذلك تسهيل اندماجهم في التكنولوجيا التي تزيد مكانتها في المجتمع بشكل يومي.
وسبق أن ظهرت تطبيقات أخرى خاصة بالمعاقين في نظام تشغيل (الاندرويد) للهواتف الذكية وبعضها احتوى على لوحات مفاتيح لكنها جميعا اعتمدت الإرشادات والأوامر الصوتية من دون أن تمكن المكفوف من الكتابة على شاشة الهاتف الملساء.
وتقول أبو شعبان إن مستخدم (لوحة بريل) لا يحتاج إلا أن تكون لديه معرفة بطريقة بريل في الكتابة، كما أن تعلم التطبيق سهل ولا يحتاج مستخدمه إلا دقائق معدودة بعدها يكون قادرا على كتابة النصوص وحذفها بسهولة.
وما يميز التطبيق بحسب أبو شعبان أنه يتيح استخدام اللغة العربية لأول مرة، إضافة إلى حرية وضع نقاط الخلية الستة على شاشة الهاتف الذكي من قبل المستخدم.
وتنبه إلى أن تطبيقا مشابها كان تم إنتاجه ولكن ليس ضمن نظام تشغيل (الاندرويد) ولا يتيح استخدام اللغة العربية، إضافة إلى تقييد المستخدم بالنسبة لمكان الست نقاط.
ولا يتم ترويج تطبيق (برل بورد) بشكل مجاني، إنما يتم بيعه بمقابل مادي من خلال تسويقه داخليا في قطاع غزة أو خارجيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك).
وتقول أبو شعبان، إن البيع في السوق المحلية ليس لأفراد من ذوي الإعاقة البصرية، وإنما يتم التوجه إلى مؤسسات تهتم في هذه الفئة بحيث يقومون بشراء التطبيق وتوفيره لأكبر قدر من المكفوفين بشكل مجاني.
وتظهر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن ما نسبته 97.6 في المائة من الأسر في قطاع غزة لديها هاتف نقال، منهم 34.7 في المائة يستخدمون هواتف نقالة ذكية حديثة الخصائص.
وتشير أبو شعبان، إلى أنهم يعملون على الاستفادة من العوائد المالية للتطبيق لتمويل إدخال أفكار جديدة عليه، موضحة أن ثمن التطبيق "يكون حسب عدد الأشخاص المكفوفين الذين تأتي بهم كل مؤسسة".
وتطمح ابو شعبان وصديقاتها إلى تطوير التطبيق ليشمل القراءة إلى جانب الكتابة على الهواتف الذكية، مشيرة الى ان ذلك سيعد نقلة نوعية في خدمة المكفوفين.
لكن أبو شعبان وصديقاتها يشتكون من عدم قدرتهن على تلبية دعوات للسفر لعرض تطبيقهن في دول عربية وإسلامية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007.
وهي تحلم بإقامة شركة تقدم حلولا شبيهة لفكرة (بريل بورد) تستهدف المكفوفين من أجل دمجهم في المجتمع والتسهيل عليهم استخدام التكنولوجيا التي تسبب عائقا لهم بسبب إعاقتهم أو ظروفهم الصحية.
كما يطمح الفريق المخترع أن تقوم الشركات الكبرى بشراء التطبيق وضمه في أنظمة التشغيل الأساسية للهواتف الذكية مما يسهل على الكفيف الوصول له والاستفادة منه بشكل مجاني.
لذلك يعمل الفريق على زيادة عدد المستفيدين من التطبيق حول العالم من أجل الإثبات للشركات الكبرى عند مخاطبتهم بشرائه أن هناك فئة كبيرة حول العالم تستخدم التطبيق وتستفيد منه.
وبشأن عدد الأشخاص المستفيدين من التطبيق حتى الآن تذكر أبو شعبان أنه وصل إلى 30 شخصا، وهي تعمل وصديقاتها من أجل وصوله لجميع المكفوفين في قطاع غزة.
ويوجد في قطاع غزة نحو 38 ألف معاق يمثلون 2.4 في المائة من إجمالي سكانه البالغ عددهم مليون و900 ألف نسمة وفق إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويمثل المعاقون بصريا من إجمالي العدد المذكور للمعاقين في قطاع غزة نسبة 21.7 في المائة بحسب نفس الإحصائيات.
عمر العثماني