تعليق: التغيرات الخمسة الكبرى في البيئة الاقليمية والدولية المحيطة بمحادثات السلام السورية

بقلم/ قونغ تشن شي، باحث في مركز دراسات القضايا الدولية التابع للوكالة انباء شينخوا

أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا يوم 3 فبراير الجاري عن جولة جديدة من المحادثات السورية ستعقد في جنيف يوم 25 فبراير، موضحا أن المحادثات لم تفشل وإنما هناك المزيد من العمل يتعين على الحكومة السورية والاحزاب المعارضة القيام به.

وعلى الرغم من أن الجولة الحالية من محادثات السلام السورية قد تم اقافها فور بدئها ، إلا أن الحكومة السورية والمعارضة تبذلان جهودا مشتركة لتحقيق السلام بعد فشل مؤتمر جنيف حول سوريا في يناير 2014. ومقارنة بين جولة محادثات السلام السورية الحالية والماضية ، فقد شهدت المحادثات تغيرات في البيئة المحلية السورية والاقليمية والدولية ، ويمكن تلخيصها في خمسة تغييرات كبيرة.

أولا، توافق واسع النطاق في المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى التسوية السياسية للازمة السورية. وفي 30 اكتوبر العام الماضي، توصل وزراء خارجية في اجتماع حول سوريا في فيينا الى التوافق الاساسي لعملية السلام السورية ، وتشمل المحتويات الرئيسية: أبرزها،الحفاظ على وحدة الاراضي السورية وطبيعتها العلمانية، وسعي لوقف إطلاق نار شامل، وتشكيل حكومة جديدة، ابقاء على المؤسسات الوطنية، تسريع الجهود الدبلوماسية لانهاء الحرب، تم الاتفاق على محاربة تنظيم " الدولة الاسلامية" والمنظمات الارهابية الاخرى، وإجراء انتخابات تشرف عليها الامم المتحدة.واخيرا، اعتماد وتاكيد القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2254 حول سوريا، مما يعكس التوافق الواسع النطاق في المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى التسوية السياسية للازمة السورية.

ثانيا، التقارب بين الموقف الامريكي والروسي اتجاه الازمة السورية.كما نعلم جميعا، تدعم امريكا المعارضة السورية وتدعم روسيا النظام السوري.وفى ظل اقتراب الموقف امريكي من الروسي، يتحول الموقف الامريكي تجاه الازمة السورية من دفع تغيير النظام إلى الحفاظ الأساسي على النظام السوري الحالي،ومن مطالبة تنحي الرئيس السوري بشار الاسد فورا،إلى بقاءه فى منصبه بعد توصل الجانبين الى وقف لاطلاق النار في صراع سوريا، إلى ان يقرر الشعب السوري مصيره. في الوقت الحاضر، بالرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة بين امريكا وروسيا بشأن القضية السورية،إلا أن لديهما اتجاه ثابت بالنسبة للقضايا الرئيسية المتعلقة بالتوصل الى حل سياسي للازمة السورية ، وتلتزمان بدفع بالاشتراك في محادثات السلام السورية.

ثالثا،تغيرات موقف دول الشرق الاوسط تجاه الازمة السورية. وقد دعمت دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية المعارضة السورية منذ نشوب الازمة، داعية الى اسقاط النظام السوري.اليوم، يختلف موقف دول الخليج تجاه الازمة السورية. حيث دعت عمان الى حل سياسي للازمة السورية، واعربت الكويت على قلقها الكبير ازاء الازمة الإنسانية في سوريا، ومع اخذ موقف محايد، تشهد مواقف دول خليج اخرى وتركيا وبلدان اخرى تغييرا دقيقا ايضا.

رابعا،أحدث التدخل الروسي إعادة تشكيل ميزان القوى السوري. فمنذ التدخل الروسي في الازمة السورية في سبتمبر الماضي،شهدت ساحة المعركة في سوريا تغييرا. حيث ساهمت القوات الجوية الروسية في تحقيق الجيش السوري تقدما على جبهات عدة، واستعادة الارض المفقودة في كثير من الاحيان، ولم تضرب قواعد فرع تنظيم " الدولة لااسلامية" و" القاعدة " والمنظمات الارهابية الاخرى في سوريا فحسب، وانما اضعف قوة المعارضة المسلحة التى تدعمها أمريكا ودول الخليج،وبالتالي تعزيز النظام السوري.ومع ذلك، القوات الحكومية السورية لا تأخذ الميزة المطلقة على ارض المعركة.

خامسا،تحول الصراع بين النظام والمعارضة السورية الى مستوى ثانوي. حيث اصبحت الحرب على تنظيم " الدولة الاسلامية " الذي يشكل تهديدا خطيرا لامن العالم الاكثر الحاحا للمجتمع الدولي، وبات الصراع بين النظام والمعارضة السوري الصراعات الحالية الثانوية في منطقة الشرق الأوسط.ويتوقع المجتمع الدولي نجاح محادثات بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف، من اجل التركيز على هزيمة المنظمات الارهابية داخل سوريا.

عموما، بالرغم من أن البيئة الدولية والمحلية للجولة الحالية من المفاوضات افضل بكثير مما كانت عليه في الماضي، إلا أنه لا تزال هناك العديد من القيود.على سبيل المثال، استبعاد الأكراد من وفد المعارضة ،وصعوبات قبول الجانبين محتوى برنامج الامم المتحدة والتنفيذ الصعب للقضايا. وبالاضافة الى ذلك، لا تزال الحرب السورية في مرحلة من الجمود الاستراتيجي، ونتيجة الحرب غير مؤكدة. لذلك، فإن الصعود والهبوط الذي تشهده الجولة الحالية من محادثات السلام السورية ستستمر لفترة طويلة، ولا يزال من الصعب التنبؤ بنتائج المحادثات.