أصدر مكتب الممثل التجاري الأمريكي إخطاراً في 13 أغسطس بالتوقيت المحلي يفيد بتأجيل 10٪ من التعريفة الجمركية على بعض فئات السلع الصينية من 1 سبتمبر الموعد المحدد سابقا الى 15 ديسمبر. وفي الأول من أغسطس، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة على منصة وسائل الإعلام الاجتماعية "تويتر"، يدعي فيها أنه في الأول من سبتمبر، سيتم فرض رسوم إضافية بقيمة 10 مليارات دولار على ما قيمته 300 مليار دولار أمريكي من البضائع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، وأطلقت على الصين في وقت لاحق صفة ما يسمى "مناور للعملة".
يعتبر رفع الولايات المتحدة احتكاكاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين في الأيام القليلة الماضية انتهاك خطير لتوافق آراء رئيسي الدولتين في أوساكا، مما تسبب في انتقادات شديدة من الدوائر المحلية والاجنبية في الولايات المتحدة.
هل تستطيع الحمائية حماية الصناعة والأمن الوظيفي في الولايات المتحدة؟ وهل يمكن أن تجعل احادية الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى؟ هناك مقياس في قلوب وسائل الإعلام والصناعة الأمريكية.
الامريكيون من يدفعون فاتورة رفع الضرائب الجمركية
تستهدف التعريفات الجديدة السلع الاستهلاكية على عكس نوع التعريفات المفروضة على الصين سابقا. وأعربت شبكة التلفزيون الأميركية "سي بي أس" (CBS) عن قلقها إزاء الزيادة المقترحة في التعريفة في الولايات المتحدة. "هذا يعني أن اسعار المنتجات الإلكترونية، الملابس وغيرها من المنتجات قد تكون أعلى، وبمجرد سريان القرار، سيدفع المستوردون الأمريكيون، وليس الصين، رسومًا جديدة."
ذكر موقع قناة أخبار المستهلكين ورجال الأعمال (CNBC) ، أن أصحاب الأعمال يشعرون بخيبة أمل متزايدة إزاء مطالبات الحكومة، معتقدين أن انخفاض قيمة اليوان لا يمكن أن يعوض عن الرسوم التي تدفعها الشركات الأمريكية لأن عقود التوريد الخاصة بالعديد من الشركات الأمريكية تعتمد على الدولار الأمريكي.
"التعريفة الجمركية ليس لها فوائد". قال لوتنبرغ ، الرئيس التنفيذي لشركة المنسوجات الأمريكية، أن التوريد يعتمد على دراسة شاملة للجودة والسعة والسعر، وسنوات من التكوين، ومن المستحيل أن تتغير في غضون 15 دقيقة بعد إصدار الرئيس تغريده.
كما أشار تقرير CBS إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تلمس قائمة طويلة من السلع الاستهلاكية قريبا، وسوف يتحمل الشعب الأمريكي عبء الرسوم الجمركية في نهاية المطاف. ونأخذ الأحذية كمثال، يتم تصنيع حوالي 70٪ من الأحذية المباعة في السوق الأمريكية في الصين، وقال موزعو الأحذية وتجار التجزئة الأمريكيون أن جميع السلع، بدءًا من الأحذية المسطحة وحتى الأحذية الرياضية وحتى أحذية العمل، فرض عليها تعريفة بنسبة 67٪، ويدفع المستهلكون الأمريكيون 3 مليارات دولار إضافية للأحذية كل عام.
وقال مذيع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية بصراحة أن من يدفع ثمن رفع التعريفة الجمركية ليست الحكومة الصينية أو الصينيين وإنما الأمريكيون الذين يدفعون التعريفة الجمركية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ونقلت CNBC بيانات تفيد بأنه حتى الآن، دفع الامريكيون ما قيمته 27 مليار دولار من الضرائب، ومعظمها تأتي من التعريفات الجمركية المفروضة على الصين.
"الضرائب ليست حلاً". قال رئيس شركة دلتا للأطفال في نيويورك أن الآباء والأمهات الذين يشترون مهدًا لطفلهم هم الذين يدفعون الآن أسعارًا أعلى، على الرغم من أن دخلهم لم يرتفع. وأن فرض الضرائب على المستهلكين العاديين قصة حزينة.
ويعتقد بول كروغمان الخبير الاقتصادي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد ان الكثير من وجهات النظر حول التجارة بين الصين وأمريكا ليست منطقية. وذكر بول في مقال نشره على صحيفة نيويورك تايمز ان الحكومة الأمريكية تركز بشكل أساسي على الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد تم تشكيل هذا الفائض التجاري لأسباب متعددة وليس نتيجة سيطرة مصطنعة من قبل الحكومة الصينية. بالإضافة إلى ذلك، "الاقتصاد الصيني أقل اعتمادًا على التجارة، والصادرات إلى الولايات المتحدة أقل من خمس إجمالي صادراتها."
الخسارة الاقتصادية لا تقلق المزارعين الأمريكيين فقط
لم تستبعد لجنة التعريفة الجمركية التابعة لمجلس الدولة الصيني زيادة تعريفات الاستيراد على المنتجات الزراعية الأمريكية المشتراة حديثًا بعد 3 أغسطس في مواجهة قسوة الولايات المتحدة وضغوطها لفرض ضغوط على التعريفات، كما علقت الشركات الصينية ذات الصلة شراء المنتجات الزراعية الأمريكية.
وقد أعرب المجتمع الزراعي الأمريكي بالقلق مرة أخرى بمجرد ظهور الخبر. "إن تغريدة الرئيس في التعريفة تلقي بظلالها على الحروب التجارية للمزارعين وتجار التجزئة الأميركيين." ذكرت صحيفة " واشنطن اوبزرفر" الامريكية أن الحرب التجارية التي شنتها الحكومة الأمريكية اطفت بظلالها على المزارعين في أمريكا الوسطى والغربية وزادت من قلقهم، حيث أجبر العبء بعض الناس على تحمل الديون، والبعض الآخر يسير إلى الإفلاس خطوة بخطوة. هذه تغريدة ستجعل حياتهم أكثر فوضوية. "
"مسمار آخر يدق التابوت". نقل موقع ياهو فاينانس على الإنترنت عن مزارع فول الصويا من ولاية نورث داكوتا قوله، أن الوضع الحالي ليس الافضل، وأن الاستمرار على هذا الوضع قد يضطر دافعي الضرائب الأمريكيون إلى دفع جولة أخرى من تمويل المساعدات، لتجنب الخسائر للمزارعين في جميع أنحاء البلاد.
وفقًا لـ CNBC، أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، ومنذ بداية الاحتكاك التجاري بين الولايات المتحدة والصين، انخفضت الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين من 19.5 مليار دولار في عام 2017 إلى 9.2 مليار دولار في عام 2018، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007. "لقد أدى هذا الانخفاض إلى زيادة الألم الاقتصادي في المنطقة الزراعية بوسط أمريكا، وعدد حالات الإفلاس في المزرعة يعد الأعلى منذ عام 2012. ويعتقد أكثر من ثلاثة أرباع الناس أن المزارعين الأميركيين هم أول من يعاني من تأثير الرسوم الجمركية."
في الواقع، جميع مناحي الحياة في الولايات المتحدة ستتأثر بعمق بفرض الحكومة الرسوم الجمركية الإضافية على الصين. "المزيد والمزيد من القلق بشأن خسارة الأموال في الحرب التجارية التي بدأها البيت الأبيض، وليس المزارعين فقط ". وفقًا لقناة سي إن بي سي، تعتبر صناعة البيع بالتجزئة عمومًا واحدة من أكثر الصناعات تأثراً بسبب جولة جديدة من التعريفات على الملابس والسلع الاستهلاكية الأخرى. "حذر تجار التجزئة والمصنعون مؤخرًا من أن الرسوم الجمركية التي تفرضها الحكومة ستجبرهم على الاختيار بين الزيادات في الأسعار وتسريح العمال".
نشرت صحيفة "انكوراج ديلى نيوز" الأمريكية مؤخرًا مقالا، ذكرت فيه أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أثرت بشكل خطير على مبيعات المأكولات البحرية في ألاسكا وأمريكا ككل. "منذ أن فرضت الصين تعريفة استيراد بنسبة 25 ٪ على الصين في يوليو من العام الماضي، انخفض إجمالي مبيعات المأكولات البحرية الأمريكية بمقدار 340 مليون دولار، أي بانخفاض قدره 36 ٪".
"الاحتكاكات التجارية حول الرسوم الجمركية كان لها تأثير كبير على الصناعات التحويلية واستثمارات رأس المال في الولايات المتحدة." قال جاري كوهين كبير المستشارين الاقتصاديين السابقين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن رفع قيمة الضرائب الجمركية تزيد من تكلفة استيراد المنتجات المهمة من الصين، ما أبطل دور التخفيضات الضريبية للحكومة التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، وتأتي الحرب التجارية بنتائج عكسية، ونحن لم نر خلق فرص عمل لقطاع الصناعات التحويلية."
احتمالية الركود في الاقتصاد الأمريكي
أشعلت المؤسسات بما في ذلك بنوك وول ستريت الاستثمارية مثل جولدمان ساكس ومورغان ستانلي "الضوء الأحمر" على الاقتصاد الأمريكي بسبب عدم نظر الولايات المتحدة إلى المسار الخاطئ. ووفقًا لوكالة رويترز، فإن توقعات زيادة تأثير التوترات التجارية، أدت الى خفض بنك جولدمان ساكس توقعاته للنمو الاقتصادي في الربع الأخير من هذا العام بمقدار 20 نقطة أساس إلى 1.8٪. وأشار مورغان ستانلي في تقرير الى أن مؤشر مديري المشتريات التصنيعي العالمي، ومؤشر المفاجأة الاقتصادية والظروف الاقتصادية تظهر أن الاقتصاد الأمريكي الحالي أسوأ مما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية عام 2007.
وفقًا لمسح أجري حديثًا للخبراء الاقتصاديين نشرته صحيفة "وول ستريت" مؤخرا، ارتفع احتمال حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الـ 12 المقبلة من 30.1٪ في يوليو إلى 33.6٪، وهو أعلى مستوى منذ بدأ الاستطلاع عام 2011.
وفقا لإحصاءات أكبر جمعية تجارية في الولايات المتحدة "التعريفة تؤذي مناطق القلب “، فانه منذ أن أثارت الولايات المتحدة الاحتكاكات التجارية مع الصين، قد تكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر تزيد عن 30 مليار دولار أمريكي، أو حوالي 208 مليار يوان.
أشار لورانس سمرز وزير الخزانة الأمريكي الأسبق في مقابلة مع شبكة CNN مؤخرًا، إلى أنه مع استمرار التوترات التجارية الشديدة، أصبح الاقتصاد الأمريكي في أخطر فترة منذ الأزمة المالية العالمية. "مما لا شك فيه، فإنه في ظل بيئة النزاع التجاري الحالية، سيصبح العمال الأمريكيون أكثر فقراً، والشركات الأمريكية ستحقق ربحًا أقل، وسيصبح الاقتصاد الأمريكي أسوأ بسبب النزاعات التجارية التي أثارتها الحكومة الأمريكية".
حذرت افتتاحية صحيفة "وول ستريت" من أن السياسة التجارية الأمريكية الخاطئة يمكن أن تؤدي إلى الركود في الاقتصاد الأمريكي. وأشارت الافتتاحية الى أنه منذ تصاعد احتكاك التجارة الخارجية للولايات المتحدة في عام 2018، تراجعت ثقة ونفقات رأس المال للشركات الأمريكية تدريجياً، وبدأ تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي الأمريكي. وفي الوقت الحاضر، تباطأ معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة مما يقرب من 3 ٪ إلى 2 ٪، وانخفض متوسط خلق فرص العمل الجديدة الشهرية من 223000 في عام 2018 إلى 165000 هذا العام.
وفقًا للبي بي سي ، تسببت الحرب التجارية في تقلص الاستثمار التجاري والتجارة الخارجية للولايات المتحدة. وذكرت غرفة التجارة الأمريكية، التي تمثل أكثر من 3 ملايين شركة أمريكية، إن الرسوم الجمركية الأخيرة على الصين لن تسبب سوى معاناة أكبر للشركات والمزارعين والعمال والمستهلكين في أمريكا، وتقوض الاقتصاد الأمريكي.
"كيف يمكن إيقاف جنون حرب التجارة الرئاسية؟" في هذا السياق، اقترحت هيلمان، باحثة كبيرة في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية وأستاذة بمركز القانون بجامعة جورج تاون، واشنطن في مقال نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا، تقوية سلطة الكونغرس والحد من تهور الرئيس في الاقتصاد
ونقلت "سي إن بي سي" عن هذه النقطة أن "نهج الحكومة الأمريكية يشبه السيف، الذي سيطعن الاقتصاد الأمريكي وليس الاقتصاد الصيني، وقد يتأثر الاقتصاد الأمريكي بشدة، والاستهلاك والعمالة في خطر كبير.