ترجمة وتحرير: صحيفة الشعب اليومية أونلاين بالعربية
أن تكون صارمًا تجاه إيران، بات اختبارا ناجحا يجربه ترامب مرارا. وبعد ادراج رسمياً الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات "الإرهابية" الأجنبية في 8 ابريل، وتوقيف اعفاء العقوبات على ثمانية مستوردين للنفط الخام الإيراني في 22 ابريل، فرضت الولايات المتحدة حزمة ثالثة من العقوبات على أنشطة إيران النووية في 3 مايو ــــ ـــ توقيف قرارين من اعفاء منشآت النووية المدنية ذات الصلة من أجل القضاء التام على إمكانية امتلاك إيران للأسلحة النووية مرة أخرى.
يعتقد ليو تشونغ مين، مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن العقوبات الأخيرة يمكن فهمها من مستويين. أولاً، تركيز العقوبات على أنشطة تخصيب اليورانيوم التي يسمح بها الاتفاق النووي الإيراني، يمكن القول إنه خطوة أعمق لتنكر إدارة ترامب للاتفاق والضغط على أداء إيران.
ثانيا، وقعت العقوبات في سياق محادثات القمة الأمريكية الروسية دامت لأكثر من ساعة، وفي ظل تخفيف حدة المواجهة الخطيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، تحول التعاون بين روسيا وإيران هدفًا للهجوم، ما يبدو من الصعب فهمه. وهل هذا يدل على أن التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا قد تكثفت؟ أم أن الولايات المتحدة وروسيا منخرطتان في بعض الاتصالات والتنسيق حول القضية النووية الإيرانية؟ قال ليو: “لا أعتقد أن الاحتمال الثاني يمكن استبعاده.
هل تركت فضاءا؟
تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي أنهت فيه الحكومة الأمريكية الإعفاءات، منحت أيضًا مدة الإعفاء الممتدة ل 90 يوما للسماح لإيران بمواصلة التعاون النووي المدني مع روسيا والدول الأوروبية. ويرى بعض المحللين إن هدف ترامب هو اضطرار إيران بالاستسلام للمفاوضات، لذلك ترك دائما فضاء لذلك.
يعتقد ليو تشونغ مين أن السياسة الايرانية تعكس الأسرار الدقيقة للسياسة الداخلية للولايات المتحدة والعلاقات بين القوى الكبرى.
أولا، اختلافات داخل فريق السياسة للأمن الدبلوماسي الأمريكي. حيث لم يكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يرغب في مد الأوتار بإحكام شديد، حتى أصدر بيانًا معتدلًا عن "عدم السعي إلى التغيير السياسي"؛ لكن في نظر مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون وآخرين، لا يمكن وجود نظام معادي لأمريكا في الشرق الأوسط الموقع الاستراتيجي مهم. ونتيجة تأثير بهتين القوتين على ترامب، أصبح الموقف شديدا شفويا، والتحكم عمليا.
ثانيا، السياسة الامريكية تجاه إيران ترتبط بالوضع السياسي الداخلي. ويعد الاقتصاد الأمريكي أحد أولويات إدارة ترامب، ما جعل الاخير قلق بأن تأثير تقلبات أسعار النفط ولا يريد أن يرى الوضع الذي ترتفع فيه أسعار النفط مرة أخرى. وإلى جانب الدورة الانتخابية لعام 2020، فإن العديد من تصرفات إدارة ترامب لها معنى جمع الأصوات.
ثالثا، يعكس تمدد الإدارة الأمريكية خمسة الإعفاءات تعقيد العلاقة بين القوى الكبرى على مستوى النظام العالمي. وقال ليو تشونغ مين:" سماح إدارة ترامب لروسيا والدول الأوروبية بمواصلة التعاون مع إيران في مجال الطاقة النووية المدنية، لا يظهر أن القضية النووية الإيرانية صعبة فقط، ولكنها توضح أيضًا الجانبين اللذين يقف وراءها، وهناك لعب ومسابقات بين عدة الأطراف، وقد يكون هناك تنسيق وتعاون."
هل سيختفي التأثير تدريجيا؟
كيف ترد إيران في مواجهة الحصار الإضافي الذي تفرضه الولايات المتحدة؟ لاحظ العالم الخارجي أن سلسلة الإجراءات الأخيرة للحكومة الإيرانية يمكن وصفها بأنها قوية وناعمة في نفس الوقت ما تجدر التحاليل.
على الجانب الصعب، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 4 مايو الشعب الى الاتحاد والدفاع عن طموحاتهم."نريد زيادة الإنتاج وزيادة صادرات المنتجات غير النفطية وهزيمة المؤامرة الأمريكية"، وذكر أن طهران لديها أيضًا ست قنوات لتصدير النفط لا تعرفها الولايات المتحدة.
على الجانب الناعم، حاولت إيران كسب دعم السعودية والبحرين والإمارات وغيرها، فضلاً عن الحفاظ على اتصالات مع الدول الأوروبية. ويعتقد بعض المعلقين أنه إذا وفر العراق وتركيا وقطر ودول أخرى التسهيلات لإيران، فإن تأثيرات العقوبات الأمريكية ستكون محل شكوك.
ومع ذلك، في رأي صندوق النقد الدولي (IMF) ، فإن العقوبات الأمريكية ستضغط حتما على الاقتصاد الإيراني. ووفقًا للتقديرات، تقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.9٪ العام الماضي، ومن المتوقع أن ينكمش للعام الثاني على التوالي، بمعدل تضخم قدره 40٪.
هل تحاصر إيران؟
إن المثير للاهتمام أيضًا هو نزول ستارة حديدية بينما رفعت إدارة ترامب شريط العقوبات.
وفقًا لتقرير قناة الجزيرة الصادر في 4 مايو، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن قرار رئيسي بالموافقة على صفقة بيع اسلحة أمريكية إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 6 مليارات دولار. وتأتي الصفقة بعد شهر من بيع امريكا نظام "ساد" المضاد للصواريخ إلى المملكة العربية السعودية. نتيجة لذلك، نشرت الولايات المتحدة ما يصل إلى 200 صاروخ حول إيران.
"وراء الصفقات العسكرية معنى التهديد لإيران، لكن الاهم من ذلك أن الولايات المتحدة تريد التوصل الى صفقات أسلحة حقيقية، حيث أن هذه الدول من كبار المشترين للأسلحة الامريكية." أشار هوا لي مينغ، عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الصينية إلى أن الولايات المتحدة توصلت بالفعل إلى صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية، ومليارات الدولارات هذه المرة لا تزال قائمة على اعتبارات اقتصادية.
يعتقد ليو تشونغ مين أن هذا يعكس أهم متطلبات الولايات المتحدة لسياسة الشرق الأوسط. وفي ظل حبس إيران في الرأي العام وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وتحويلها إلى أكبر تهديد أمني في المنطقة، وينعكس تأثير السياسة الذي تريد تحقيقه في النهاية في البحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الاخرى، أي جعل الولايات المتحدة الرابح ــ تعزيز الاعتماد الأمني للحلفاء على الولايات المتحدة، وتسهيل أوامر مبيعات الأسلحة للحلفاء من قبل الولايات المتحدة، هو كسب مصالح السلاح في نهاية المطاف.
من الصعب الحكم على الكيفية التي ستتم بها ادارة ترامب تشديد "الشريط المطاطي" لـ "الضغط الشديد"، ولكن من المؤكد أن الوضع الاقتصادي الإيراني سيكون أكثر شدة، وأن المعارضة والشكوك في الرأي العام الدولي بشأن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب سوف تكون عالية بشكل متزايد.
"عداء وتحامل المجتمع والنخب الأمريكية ضد إيران أعاق الفهم الواقعي لإيران." يعتقد هوا لي مينغ أنه" من المتصور أن العلاقات الأمريكية الإيرانية قد تتوتر وتتدهور أكثر في المستقبل، لكن لا يتوقع تسرع الولايات في القيام بعمل عسكري، لأن ذلك أمر مكلف للغاية."