في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، تجد العلاقات الأمريكية الإيرانية نفسها من جديد أمام معضلة رئيسية. وكان البيت الأبيض قد صرّح الأسبوع الماضي بأن الحكومة الأمريكية ستوقف الإعفاءات من العقوبات على استيراد النفط الإيراني اعتبارا من 2 مايو المقبل لثمانية "مشترين" (الصين والهند واليونان وإيطاليا واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية وتايوان). ومن المتوقع أن يتخذ الجانب الإيراني إجراءات عقابية مضادة. حيث يرى محلّلون أنه مع تزايد الضغوط الأمريكية على إيران، ستتجه العلاقات بين البلدين نحو اتجاه أكثر تأزم، مما سيسهم في رفع مستوى التوتر الاقليمي.
فهل تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في ايقاف الصادرات النفطية الإيرانية؟ ردّا عن هذا السؤال، رأى السفير الصيني السابق لدى إيران هوا لي مينغ في مقابلة مع "جريدة التحرير اليومية" أن ذلك سيعتمد على درجة الضغوط التي ستمارسها الولايات المتحدة: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقاً ايقاف المشترين الثمانية عن شراء النفط الإيراني، فبإمكانها فعل ذلك". لكن هل ستستطيع الولايات المتحدة ترجمة وعيدها إلى حقيقة، يبقى ذلك غير قابل لإصدار الأحكام في الوقت الحالي.
في ذات السياق، يشير ليو تشونغ مين، مدير معهد الشرق الأوسط للأبحاث بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن الضغوط الأمريكية ستستمرّ في الإرتفاع، وحتى إن لم تنجح الولايات المتحدة في ايقاف الصادرات النفطية الإيرانية بشكل نهائي، فإن إيران لم تستطيع المحافظة على نفس المستوى من الصادرات. خاصة وأن حجم صادراتها قد تراجع من حوالي 2.5 مليون برميل\يوميا إلى حوالي مليون برميل يوميًا بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق. ورغم معارضة بعض الدول للعقوبات الأمريكية، إلا أن أمريكا تبقى المتحكم الرئيسي في نظام سوق البترودولار الدولي.
بينما يرى محللّون آخرون أن تركيا واليابان وكوريا الجنوبية يمثلون حلفاء بالنسبة للولايات المتحدة، فيما تعدّ الهند شريكا دوليا مهمّا للولايات المتحدة، وأن عدم منح الولايات المتحدة الأمريكية اعفاء من العقوبات لهذه الدول قد يثير استيائها، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
وكان براين هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران قد صرّح في وقت سابق بأن حجم الخسائر الإيرانية بسبب تراجع الصادرات النفطية بـمليون برميل قد فاقت 10 مليارات دولار أمريكي. أي ما يعادل خسارة 30 مليون دولار يوميا.
مع ذلك، أشار هوا لي مينغ إلى أن الضغط على الصادرات النفطية الإيرانية سيؤثر على المصالح الأمريكية أيضا. لأن فقدان السوق الدولية أكثر من مليون برميل نفط يوميًا، سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو ما قد يثير تذمر المستهلك الأمريكي، مما سيؤثر على الأصوات المؤيدة لترامب في الانتخابات. ورغم أن الولايات المتحدة تأمل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سد النقص في الإمدادات النفطية المترتب عن العقوبات، إلا أن السعودية تبدو ليست على أتم الاستعداد، أملا في ارتفاع أسعار النفط.
يعتقد ليو تشونغ مين أنه في ظل الضغوط الأمريكية، سيكون الوضع الاقتصادي الإيراني أشد سوءا، لكنه استبعد بلوغه حافة الإنهيار. حيث سبق لإيران أن صمدت أمام جولتين من العقوبات في الماضي.
بصفتها قوة رئيسية في الشرق الأوسط، لم تلجأ إيران للخضوع إلى الضغوط الأمريكية، بل على العكس أدانت التدابير الأمريكية بقوة ورفضت جميع الاتهامات الموجهة اليها.
وفي هذا الصدد، كتبت سوزان مالوني الباحثة في معهد بروكينجز للسياسة الخارجية، قائلة " هناك القليل من الأدلة على أن الجمهورية الإسلامية تتجه نحو الانهيار أو الاستسلام ... بالنسبة للزعماء الإيرانيين، يعد الصمود في حد ذاته نجاحا."
من جانبه، يقول هوالي مينغ: "في الحقيقة، إن إيران لديها أوراق، لكن استعمالها يتوقف على تطورات الوضع."
أولاً، يمكن لإيران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. حيث أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في الثامن والعشرين من الشهر الجاري أن إيران تدرس الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية رداً على العقوبات الإضافية.
ويرى ليو تشونغ مين أن جوهر الاتفاق النووي الإيراني يكمن في منع الانتشار النووي. لكنه استبعد انسحاب إيران من الاتفاق النووي الإيراني على المدى القصير، لأن الانسحاب سيعني ضياع جهود ادماج إيران في المجتمع الدولي. مع ذلك تبقى امكانية الانسحاب واردة، إذا لم تحقق إيران مصالحها.
ثانياً، بإمكان إيران اللجوء إلى اغلاق مضيق هرمز. اذ صرّح رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، في الثامن والعشرين من أبريل الجاري، بأن إيران قد تقْدم على اغلاق مضيق هرمز، في حال تزايد الأعمال العدائية ضدها.
وسبق للجانب الإيراني أن هدد مرارًا بإغلاق مضيق هرمز، لكنه لم يضع ذلك موضع التنفيذ، وهو ما وصفه بعض المحللين بـ"التهديدات الفارغة". كما يرى البعض أن إصدار التهديدات بالنسبة لإيران يعد أكثر فعالية من المواجهات الفعلية، لأن هذا التهديد عادةً ما يرفع أسعار النفط وبالتالي يؤثر على الرأي العام الدولي.
يعتقد هوا ليمينغ أنه من غير المحتمل أن تغلق إيران مضيق هرمز، إذا لم تقدم أمريكا على محاصرة ايران. لأن مضيق هرمز هو بمثابة "الحلق" بالنسبة لإيران، واغلاقه سيؤدي إلى عزلها.
وفي هذا الجانب، يتوقع ليو تشونغ مين أن ترد إيران بتدابير تعاون قصيرة ومتوسطة الأجل. اذ من الممكن أن تلجأ على المدى القصير إلى إطلاق التهديدات للتأثير في الرأي العام، إضافة لتقديم مطالبها إلى الاتحاد الأوروبي والأطراف الأخرى المشاركة في الاتفاق النووي الإيراني. من جهة أخرى، قد تزيد إيران من تطوير اليورانيوم المخصب في نطاق الاتفاقية النووية الحالية وإظهار مواقفها الرافضة للسياسات الأمريكية. وعلى المدى المتوسط والبعيد، لا ترغب كل من الولايات المتحدة وإيران في الدخول في مواجهة عسكرية، ولكن مع تزايد توتر الوضع الجيوسياسي، تزداد مخاطر الحرب.