بكين أول سبتمبر 2018 / تتسلط الأضواء على زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبكين لحضور قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك) التي من المقرر عقدها يومي 3 و4 سبتمبر وستشهد الارتقاء بشراكة التعاون الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإفريقيا إلى مستوى جديد وتزيح الستار عن إجراءات جديدة لتعزيز التعاون بين الجانبين على نحو شامل.
-- زيارة تاريخية
تكتسب مشاركة السيسي في القمة أهمية كبيرة في ضوء ما تتمتع به مصر من دور ريادي وثقل سياسي وحضاري في قارة إفريقيا وسعيها إلى توسيع وتنويع مختلف أطر التعاون مع الصين وما يحمله التعاون الصيني الإفريقي من سمات تتضمن التأكيد على المنفعة المشتركة والتركيز على تقوية قدرة القارة على التنمية المستقلة، حيث أكد عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي قبيل زيارة الرئيس السيسي على المكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر لدى الصين وتطلع بلاده إلى مشاركة السيسي في هذا المنتدى الهام.
فعمق العلاقات الصينية - المصرية ليس وليد اللحظة وإنما هو نتاج تفاعلات تاريخية بدأت من تلاقي اثنتان من أقدم الحضارات في العالم، وهو ما أسس منذ قرون طويلة لعلاقات متميزة على صعيد التجارة والثقافة والفن بين البلدين.
والمتتبع لمسيرة العلاقات وصولا إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1956 والتي صارت معها مصر أول بلد عربي وإفريقي يقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وما شهدته هذه العلاقات من تطور مستمر طوال السنين الماضية يجد أن الزيارات الرسمية واللقاءات المتعددة بين قيادتي البلدين في السنوات الأخيرة ساهمت في تعزيز مستوى التعاون والتنسيق الثنائي.
وفي هذا الإطار قال وو سي كه المبعوث الصيني الخاص السابق للشرق الأوسط إن "طفرة كبيرة شهدتها العلاقات الصينية - المصرية مع تكرار تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث قام الرئيس السيسي بزيارته الأولي للصين في ديسمبر 2014 وتخللها التوقيع على وثيقة الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى شراكة إستراتيجية شاملة، وفي مطلع عام 2016 قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة هامة لمصر وقع خلالها البلدان البرنامج التنفيذي لتعزيز العلاقات الثنائية للفترة من 2016 إلى 2021 والذي يجرى تنفيذه بسلاسة".
وإن زيارة الرئيس السيسي "هذه المرة تؤكد متانة العلاقات بين الصين ومصر وستعطي دفعة جديدة للتعاون بين البلدين، وهو يمضى بخطى ثابتة ويحقق إنجازات مثمرة في ظل مبادرة الحزام والطريق"، هكذا أشار داي شياو تشي الباحث في مركز الدراسات العربية بجامعة الدراسات الدولية ببكين.
فمصر تتميز بموقع إستراتيجي يربط بين قارتي إفريقيا وآسيا ما يجعلها البوابة الآسيوية لإفريقيا وأيضا أحد البوابات الإفريقية لأوروبا عبر البحر المتوسط، وهو ما يؤهل مصر لتكون نقطة محورية في مبادرة الحزام والطريق التي يقول الخبراء الصينيون إن مصر لاعب رئيسي فيها وضمن النقاط المضيئة في مشروعات التنمية المستدامة الخاصة بها.
-- تعاون بارز
تتمتع مصر والصين بتبادلات وثيقة رفيعة المستوى وتعاون براغماتي مثمر في شتي المجالات. فالصين شريك تجاري مهم لمصر حيث بلغ الحجم الإجمالي للتبادل التجاري بين الجانبين 10,8 مليار دولار في عام 2017، ومن المتوقع أن يرتفع مستقبلا وخاصة أن حجم الصادرات المصرية السلعية للسوق الصينية ارتفع بنسبة 60 في المائة خلال عام 2017 ليسجل 408 ملايين دولار مقابل نحو 255 مليون دولار خلال عام 2016.
كما من المتوقع أن يطرح التعاون الاقتصادي باعتباره مقوما هاما للتفاعل بين البلدين مزيدا من الثمار مستقبلا تعود بالفائدة على الجانبين وعلى القارة الإفريقية مع بلوغ إجمالي حجم الاستثمارات الصينية في مصر أكثر من 5 مليارات دولار في نهاية 2017، لتحتل الصين بذلك المرتبة الثالثة ضمن الدول الأكثر استثمارا بمصر. وفي الوقت ذاته، تقوم شركات صينية عدة بأنشطة أعمال ناجحة في مصر وتساعد في التصنيع ونقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للمجتمعات المحلية وتحقيق التنمية المشتركة، ما يعد دليلا على حرص البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة.
هذا ويأتي تطور العلاقات الصينية المصرية من ناحية أخرى في ضوء المشروعات القومية التنموية التي تنفذها مصر ومنها تنمية منطقة قناة السويس التي توفر فرصا كبيرة أمام الشركات الصينية للاستفادة من الموقع الإستراتيجي لمصر كمحور للإنتاج والتصدير إلى دول العالم وخاصة الإفريقية منها ولا سيما أن مصر تتمتع بمزايا نسبية في إطار الاتفاقيات التجارية الموقعة بينها وبين السوق الإفريقية وتفاعلها بشكل وثيق مع التجمعات الإفريقية الثلاثة "الكوميسا" و"السادك" و"شرق إفريقيا".
-- توافق الرؤى
وثمة توافق في الرؤى تجاه إفريقيا بين الصين ومصر، فقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال رابع زيارة له لقارة إفريقيا في يوليو الماضي "في كل مرة أزور فيها إفريقيا أرى حيوية القارة وطموح شعوبها من أجل التنمية"، مؤكد أن الجانبين الصيني والإفريقي شريكان مخلصان على طريقهما للتنمية وأن التنمية في الصين ستحقق المزيد من الفرص لإفريقيا، فيما يضع الرئيس السيسي إفريقيا ضمن أولوياته في السعي لتحقيق التنمية المستدامة لدولها من خلال تعميق العلاقات المشتركة والعمل على إقامة المشروعات.
ومع نمو قوتها الاقتصادية وبروزها على الصعيد العالمي، تلعب الصين دورا أكثر حيوية في التنمية بالقارة الإفريقية وبدأت بلدان القارة تتجه إلى تعزيز علاقاتها مع الصين في شتي القطاعات وأخذت الاستثمارات الضخمة، التي تساهم بها الصين في إفريقيا، تشكل مفتاحا هاما لمعالجة النقص في البنية التحتية بالقارة وتؤكد على صحة الحكمة الصينية القائلة بأنه "مثلما تختبر المسافة قوة الخيل، يكشف الزمن عن إخلاص المرء" وخاصة أن البنية التحتية تمثل السبيل الأساسي لتحقيق التنمية طويلة الأمد.
وإنه لمن خلال الجمع بين مبادرة الحزام والطريق - التي تعد مسارا للتنمية المشتركة عبر تحسين البنى التحتية وربط الإستراتيجيات التنموية - وبين أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063 وخطط التنمية الوطنية للدول الإفريقية، ستخلق القمة المرتقبة أرضيات جديدة للتعاون في هذا الإطار الذي من المتوقع أن يدفعه أيضا تولي مصر للرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي عام 2019 في ضوء علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين.
ومع انعقاد قمة بكين 2018 لمنتدى فوكاك تحت عنوان "الصين وأفريقيا: نحو مجتمع أقوى ذي مصير مشترك عن طريق التعاون المربح للجانبين"، تبدو أن هناك أحلاما متشابهة ومصيرا مشتركا يجمعان بين الصين وإفريقيا وتكمن المهمة الآن في تحقيق التلاحم من أجل التعاون متبادل المنفعة لجني مزيد من الثمار.
.