الموصل، العراق 9 يوليو 2018 / تحت درجة حرارة بلغت 46 درجة مئوية، وقف الشاب العراقي أحمد الموصلي على أنقاض منزله في المدينة القديمة بالموصل يتابع عملية رفع الركام ، يحدوه الأمل في الحصول على تعويض ليعيد بناء البيت من جديد بعد أن دمرته الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية.
واقترضت عائلة أحمد (2.5 مليون دينار عراقي) نحو (2000 دولار) لرفع أنقاض المنزل الذي تم بناؤه قبل سيطرة التنظيم المتطرف على الموصل بسنة واحدة لكن الحرب دمرته وقضت على كل ما تملكه هذه العائلة.
وفي المكان كان أحمد (31 عاما) يقف واخوته ، ريان ويوسف وحاتم ووالدهم الرجل الكبير في السن، مع العمال الذين يرفعون أنقاض المنزل المدمر.
وسيطر مسلحو التنظيم على الموصل في يونيو 2014 قبل أن يستولوا على مناطق واسعة في العراق وسوريا ويعلنوا ما أطلقوا عليه "دولة الخلافة".
وقال أحمد لوكالة أنباء ((شينخوا)) "فقدت منزلي ووظيفتي وشقيقي بسبب داعش والحرب عليه، هذا المنزل أكملنا بناءه عام 2013 ووضعنا كل ما نملك فيه أنا واخوتي".
ويستذكر أحمد كيف اضطر للهروب من المنزل والاختفاء عام 2014 كونه جنديا بالجيش العراقي، ليعود اليه عام 2017 ويجده وقد تحول الى كومة من الحطام والأنقاض.
وتبدو الحسرة والحزن على وجه أحمد لأن فرحة التحرير لم تكتمل، كما يقول.
"لم أعد الى وظيفتي التي كان داعش يبحث عني لاعدامي بسببها، ولم يعد أخي المفقود شعلان، ولم تقدم الحكومة أية تعويضات لاعادة بناء المنزل" يقول أحمد.
وتابع "قررنا أنا واخوتي أن نستدين 2.5 مليون دينار من أحد أصدقائنا لكي نرفع الأنقاض، وهي الخطوة الأولى على أمل أن نحصل على التعويض ونعيد بناء منزلنا من جديد".
ومع ذلك، أكد الشاب الثلاثيني أن أهالي الموصل بشكل عام واهالي المدينة القديمة بشكل خاص مصرون على اعادة بناء منازلهم لكن ما ينقصهم هو المال.
وقال "لو ان الحكومة عوضت اصحاب المنازل المدمرة لوجدت الناس كلها تعمل الان كخلية نحل".
وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاشر من يوليو العام الماضي استعادة الموصل بعد معارك شرسة أعنفها كان في المدينة القديمة، التي اعلن منها التنظيم المتطرف "دولة الخلافة".
وبعد عام من التحرير، لم يختلف المشهد كثيرا في المدينة القديمة التي تقع في قلب الموصل، عما كانت عليه قبل سنة.. فالمنازل والسيارات المدمرة لاتزال كما هي وأكوام الانقاض في كل مكان، ومقومات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء غير موجودة.
ورغم ذلك، يبدي أهالي المدينة القديمة اصرارا على فعل أي شىء لتواصل عجلة الحياة دورانها ولا تتوقف، رغم عدم امتلاكهم للأموال ما اضطر البعض منهم للاقتراض للبدء باعمار منازلهم.
لكن الغالبية العظمى منهم لاتزال تنتظر حملات الاعمار التي تعهدت بها الحكومة قبل عام.
وفي منطقة "الشهوان" بالمدينة القديمة وبالقرب من ضفاف نهر دجلة، شرعت مجموعة من عمال البناء في بناء منزل جديد وسط ركام من الحطام وبدا المنظر كمن يرى وردة زاهية تخرج من بين النفايات.
وبحسب العمال، فان هذا أول بيت يعاد بناؤه في هذه المنطقة.
وقال علي سعدي صاحب المنزل "كاد الأمل أن يضيع وتذهب فرحتي بالتحرير، وبدأت أتمنى لو أني قتلت في منزلي، الذي أجبرني داعش على مغادرته، والذي تحول الى كومة من الانقاض بسببهم".
وتابع الرجل "شلت ابنتي وأصبت أنا بجروح أثناء هروبنا، وفجأة عاد لي الأمل من جديد عندما اتصل بي شخص لا أعرفه وأبلغني أن استخرج موافقات لاعادة بناء منزلي من دائرة البلدية لأن هناك رجلا قد تبرع لي ببناء منزلي على حسابه الخاص بعد ان علم بقصتي ومعاناتي".
وأضاف "أكملت الموافقات الرسمية، وحضر شخص من طرف المتبرع، ومعه مواد البناء وفريق عمل متكامل، واليوم بدأوا بالعمل ليكون بيتي أول بيت يعاد بناؤه في المنطقة".
ويأمل سعدي أن يتشجع الآخرون ويبدأون بالعمل اعتمادا على انفسهم، ويقول "رغم مرور عام على تحرير الموصل، لحد الان لم تقم الحكومة بأي شيء سوى تنظيف الشوارع".
ولفت الى ان الناس بدأوا بحفر الآبار كون الماء مفقودا وهو أهم شيء لاعادة الحياة.
وفي مكان آخر في المدينة القديمة وبالتحديد عند جامع النوري الذي شهد أول ظهور علني لزعيم التنظيم المتطرف ابوبكر البغدادي عندما اعلن قبل اربع سنوات ما يسمى بدولة الخلافة، كان الوضع كما هو في العام الماضي، لم يتغير اي شيء سوى وضع سياج من الاسلاك حول الجامع.
وفي مقابل الجامع، تجمع أشخاص مدنيون أمام فرن للصمون (مخبز عيش) ليأخذون الخبر.
وأكد صاحب المخبز الحاج بدران العزي لـ ((شينخوا)) أنه أعاد ترميم مخبزه بمساعدة منظمة انسانية هولندية اسمها (ZOA)، مبينا انها أبرمت عقدا معه ايضا لتوزيع الخبز مجانا على 400 عائلة عادت الى المنطقة بواقع 12 قطعة خبز في اليوم لكل عائلة.
وقال الحاج بدران "لاتسألوني عن اعادة الاعمار فالمنازل المدمرة والمسجد والمنارة وكل شيء مادي مدمر يمكن اعادة بنائه في المستقبل ولكن السؤال الذي يجب ان يطرح هو من سيعيد حياة آلاف الابرياء الذين قتلوا على ايدي هذا التنظيم الارهابي او بسببه؟".
واضاف "بعض العوائل لا ترغب بالعودة الى المنطقة لانها فقدت منازلها أو أحد أفرادها أو أكثر، لذلك فان عودتها الى نفس المنطقة يعني لها استمرار الحزن والمعاناة".
ودعا بدران المنظمات الانسانية والمجتمع الدولي الى مساعدة اهالي الموصل من اجل تضميد جراهم.
وفي أحد المقاهي، تجمع عائدون الى المنطقة وعمال يعملون في رفع الانقاض والتنظيف بالمدينة القديمة، يتحدثون بلسان واحد عن هموم اعادة الاعمار والمآسي التي خلفتها الحرب على الارهاب، وعدم تعويضهم.
وقال شاب يبلغ من العمر 21 سنة وهو يدخن الارجيلة "سمعت من وسائل الاعلام ان الحكومة في بغداد خصصت مبالغ مالية لإعمار الموصل، لكن في الحقيقة لا نعلم شيئا عن هذه الاموال".
وتابع وهو ينفث الدخان بقوة "هناك آلاف لم يعودوا الى منازلهم لانهم لايملكون الاموال لاعادة بنائها فضلا عن عدم توفر الخدمات الاساسية في مناطقهم الاصلية".
وأكد أن الوضع الأمني جيد جدا بعد تحرير المدينة وكثير من نقاط التفتيش رفعت بحيث اصبحت الحركة اكثر سهولة، معربا عن امله ان تحذو الوزارات الخدمية حذو القوات الامنية وتقوم بواجبها وتوفر الخدمات لاهالي الموصل الذين عانوا الكثير.
وأقر زهير الأعرجي قائممقام الموصل (أعلى مسؤول اداري بالمدينة) بعدم البدء باعادة اعمار المدينة وعدم تعويض السكان الذين دمرت منازلهم او ممتلكاتهم.
وبحسب الأعرجي، فان 11500 وحدة سكنية (منزل وشقة) دمرت في المدينة القديمة، فضلا عن تدمير البنى التحتية فيها لمشاريع الماء والكهرباء.
وأوضح ان الموصل بحاجة الى مليارات الدولارات لاعمارها كون نسب الدمار بعموم أحياء المدينة تتراوح ما بين 10 في المائة الى 100 بالمائة كما هو الحال في المدينة القديمة.
وأضاف أن "الموصل تعرضت لتجاهل دولي ومحلي من قبل الحكومة المركزية، ونحن كمسؤولين محليين وكمواطنين في الموصل نشعر بالاحباط لهذا التجاهل الحاصل للموصل".
ودعا المجتمع الدولي والحكومة العراقية الى الاسراع في دعم ومساندة أهالي الموصل التي تعتبر مدينتهم مدمرة وليست فقط منكوبة.
وأشار الى أن ما تم اعادة اعماره هو بعض الدوائر الخدمية ومشاريع المياه التي حصل فيها دمار بنسبة 50 بالمائة، واصفا الاعمار بالموصل بأنه "حملات ترقيعية" لا ترتقي لحجم الدمار الكبير الذي شهدته المدينة.
وأكد أن الأولوية في الاعمار هي للقطاعين الصحي والتربوي، ولكنه استبعد اعمار المدينة في المستقبل القريب اذا بقيت وتيرة الاعمار بهذا المستوى الحالي.
وقال "اذا غيرت الحكومة الجديدة التي ستتشكل خططها تجاه الموصل وراعت المنظمات والدول الأخرى الكارثة في الموصل، فنحن لدينا خارطة جاهزة تستطيع اعادة الحياة كما كانت وأفضل من السابق في اقل من سنة".
ولفت الى أن عمليات الاعمار التي تحصل في المدينة حاليا كلها يقوم بها الأهالي على حسابهم الخاص، مطالبا الحكومة المركزية بتخصيص الاموال لتعويضهم لانهاء معاناتهم ومن اجل عودة عشرات الالاف من النازحين الى ديارهم.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة الأولية العام الماضي، فان أكثر من خمسة آلاف منزل دمر بالكامل في المدينة القديمة وحدها تبلغ كلفة اعمارها حسب التقديرات الاولية بأكثر من مليار دولا.
بينما تقدر الحكومة العراقية كلفة اعادة الاعمار في الموصل كلها ما بين 30 الى 40 مليار دولار.
وما بين التقديرات والوعود يبقى المواطن الموصلي متشبثا بالأمل ليعود الى ممارسة حياته الطبيعية من جديد رغم كل المعاناة الصعوبات والخسائر الكبيرة التي تعرض لها .