ترجمة وتحرير / د. فايزة سعيد كاب
تستضيف العاصمة الصينية بكين اليوم 10 يوليو الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي. ويخاطب الرئيس الصيني شي جين بينغ الجلسة الافتتاحية للاجتماع، بحضور أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح وممثلي 21 دولة عربية والأمين العام لجامعة الدول العربية. ويعد الاجتماع حدثا مهما في مسيرة العلاقات الصينية ـ العربية، حيث يبحث الجانبان مواضيع عدة ذات الاهتمام المشترك وخطط التعاون المشترك في بناء " الحزام والطريق " في العصر الجديد.
وبهذه المناسبة، نشر عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي مقالا موقعا في صحيفة الشعب اليومية الصينية يوم 9 يوليو حول مسيرة الإنجازات وتطلعات واعدة بمزيد من التشارك الصيني ـ العربي في تخطيط التعاون في إطار "الحزام والطريق" في العصر الجديد.
وأشار عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في مقاله الى أن التواصل بين الصين والدول العربية يرجع الى تاريخ طويل، ويعد نموذجا يحتذى به، حيث شهدت الامتان العظيمتان تبادلات رفيعة ووثيقة وعميقة على مدى 2000 عاما، وتعلمت الحضارتان من بعضهما البعض واستكملت كل منها الأخرى. ومنذ منتصف القرن الماضي، تضامنت الصين والدول العربية بشجاعة واخلاص في الكفاح من أجل التحرير الوطني، وساعدت كل منهما الاخر في بناء الوطن وكتابة فصلا جديدا من الصداقة والتعاون. وفي عام 2004، تأسس منتدى التعاون الصيني ـ العربي، الذي ساهم في ترقية العلاقات الصينية ـ العربية الى "محرك مزدوج" الثنائي والجماعي، ودفع التطور المتسارع للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات.
حقق الجانبان الصيني والعربي نتائج عظيمة ونيِّرة ومثمرة في التواصل والتعاون باتخاذ "الحزام والطريق" كخط رئيسي. وفي هذا الصدد استعرض وانغ يي في مقاله اهم الإنجازات التي حققتها العلاقات الصينية ـ العربية خلال السنوات الأربع الأخيرة: ـ
عززت الزيارات الناجحة للرئيس الصيني شي جين بينغ للشرق الأوسط، وزيارات زعماء مصر والمملكة العربية السعودية والمغرب وفلسطين للصين الثقة السياسية المتبادلة ورفعت العلاقات بين الجانبين الى مستويات اعلى. وأسست أو رفعت الصين علاقاتها الاستراتيجية مع 11 دولة عربية، ودعمت جهود الدول العربية في استكشاف مسار التنمية بشكل مستقل، كما دعمت جهود فلسطين لاستعادة حقوقها الوطنية المشروعة. وفي المقابل، قدمت الدول العربية دعما قويا للصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الأساسية والرئيسية.
كما شهد التعاون العملي الصيني -العربي توسعا كبيرا في المجالات الاقتصادية والتجارية والإنسانية، وبات أكثر تنوعا، بدءا من إطلاق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء إلى زراعة القطن في الارض. وتم فتح آليات منتدى التعاون الصيني ـ العربي، وتشغيل أكثر من 10 آليات بما في ذلك الاجتماع الوزاري واجتماع كبار المسؤولين ومؤتمر رجال الاعمال ومؤتمر التعاون في مجال الطاقة بشكل فعال لتوفير طاقة دفع قوية للتشارك الصيني ـ العربي في بناء مبادرة " الحزام والطريق".
وترسخت معادلة التعاون "3+2+1" المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي والبنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين ومجالات ذات تكنولوجيا متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق بفضل الجهود المتضافرة والخطوات الرائدة والصلبة من الجانبين.
كما تبذل الصين والدول العربية جهودا متواصلة لتعزيز استراتيجيتها الانمائية والدفع بالتعاون لتحقيق تقدم جديد في كافة المجالات. ووقعت الصين مذكرة تفاهم في شأن التشارك في بناء "الحزام والطريق" مع تسع دول عربية ووثيقة التعاون في شأن الطاقة الإنتاجية مع 5 دول عربية. كما استثمر صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في الدول العربية. وفي عام 2017، بلغ حجم التبادل التجاري الصيني -العربي ما يقارب 200 مليار دولار أميركي، بزيادة 11.9%، وبلغ حجم الاستثمار الصيني المباشر في الدول العربية 1.26 مليار دولار أميركي، بزيادة 9.3%.
ارتقت الصين والدول العربية بالتعاون في المجالات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والتجارة إلى مستوى جديد. وقد فتح مشروع مجمع حصيان لإنتاج الطاقة بتقنية الفحم النظيف الواقع بالقرب من المنتزه الترفيهي العائلي "دبي بارك آند ريزورتس" أول مشروع من نوعه في المنطقة ويعتمد على أفضل التقنيات العالمية، ومنها تقنية المراجل فوق الحرجة، ومشروع محطة توليد كهرباء تعمل بالصخر الزيتي في الأردن فصلا جديدا في التعاون الكهربائي الصيني ـ العربي. كما ساعدت مشاريع البنية التحتية على نطاق واسع مثل المرحلة الثانية من ميناء حليفة في دولة الإمارات العربية المتحدة وسكك حديد الضواحي في "يوم العاشر من رمضان" في مصر تقدماً مطرداً البلدان العربية على تطوير المواصلات. وشكلت منطقة السويس الاقتصادية والتجارية كتلة صناعية.
تعمل الصين والدول العربية على تحسين وتعميق التعاون بشكل مستمر من خلال ابتكار. حيث تم إنشاء المركز الصيني -العربي لنقل التكنولوجيا، وأقيم بنجاح المنتدى الصيني العربي لنظام بيدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية، ونجحت الصين في إطلاق أول قمر اصطناعي جزائري للاتصالات الذي يعتبر مثالا ناجحا للتعاون الصيني ـ العربي في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. كما تم انشاء مركز البحوث للتنمية والإصلاح الصيني العربي ومنتدى الإصلاح والتنمية الصيني-العربي منبراً لتبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإصلاح والتنمية الذي لقي ترحيبا كبيرا من قبل الجانب العربي.
أصبح التعاون المتبادل المنفعة بين الجانبين الصيني والعربي عمليا أكثر في مجالات التنمية الذاتية والتنمية الاجتماعية ومعيشة الشعب وتبادل الأفراد، مما عاد بالفوائد الملموسة والرفاهية الى كلا الشعبين. وفي هذا السياق، تم تنفيذ جميع ما أعلن عنه الرئيس شي جين بينغ من المساعدات لفلسطين والمساعدات الإنسانية لسوريا ولبنان والأردن وليبيا واليمن. وتولّت الصين تدريب أكثر من 6000 كفاءة عربية في تخصصات مختلفة.
وفي الوقت الذي تشجع فيه الصين على تعزيز خروج قدراتها الإنتاجية العالية، تتابع عن كثب حاجات الشرق الأوسط الى تنويع الاقتصاد وتساعد الدول العربية على تعزيز قدراتها التنموية المستقلة، ولم تتجاهل الصين قضية معيشة الشعب باعتبارها "السؤال الإجباري". واسست شركة صينية قاعدة أولى لإنتاج الألياف الزجاجية خارج البلاد في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري، التي أوجدت أكثر من 2000 فرصة عمل للأهالي المحليين، وجعلت مصر أكبر منتج للألياف الزجاجية في إفريقيا وثالث أكبر منتج في العالم.
وقدمت الدول العربية التسهيلات لزيارة المواطنين الصينيين لها. ولغاية اليوم، اعتمدت 9 دول عربية سياسة الإعفاء من التأشيرة أو الحصول على التأشيرة في المطار للمواطنين الصينيين، وهناك 150 رحلة جوية للركاب و45 رحلة جوية للبضائع تنتقل بين الصين والدول العربية أسبوعياً. ويشهد عدد السياح الصينيين إلى الدول العربية زيادة عاما بعد عام وبنسبة كبيرة. كما دخلت المنتجات المصرية عالية الجودة مثل القطن الطويل، وزيت الزيتون التونسي، والشوكولاتة اللبنانية، والتمور الخليجية إلى آلاف المنازل في الصين من خلال منصات التجارة الإلكترونية.
يمر العالم اليوم بالمرحلة الحاسمة للتطورات والتغيرات والتعديلات الكبيرة. وتسير الصين بخطى واثقة في مسيرتها الجديدة لتحقيق هدف "مائتي عام"، سيزداد الإصلاح عمقاً واتساعاً، ويزداد البلد انفتاحاً على الخارج. وفي الوقت نفسه، اتخذت الدول العربية إجراءات مهمة لإصلاح وإنهاض البلاد نحو مستقبل أفضل. وبات مفهوم التنمية أكثر انسجاما مع بعضها البعض والمزايا التكميلية أكثر وضوحا للصين والدول العربية، ووصلت العلاقات الصينية ـ العربية نقطة انطلاق تاريخية جديدة. ويتعين على الجانبين العمل معا لتعزيز بناء علاقات دولية جديدة، وتعزيز بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وخلق بيئة خارجية سلمية ونظاما دوليا عادلا للجانبين.
وفي الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني -العربي المرتقبة، سيتولى الجانبان الصيني والعربي، إرشاد قادة الجانبين، لاتخاذ "الحزام والطريق" كخط رئيسي وتوجيهي، والبحث في الخطط والخطوات للتعاون في المستقبل والعمل معاً على إقامة "النسخة المطورة" للعلاقات الصينية -العربية.
ستعمل الصين والدول العربية بجد ليكونا شريكين في الحفاظ على السلام وتعزيز الاستقرار. ويتعين على الجانبين تعزيز التنسيق ومواصلة الدعم المتبادل في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والشواغل الاساسية، والدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية الفقيرة بحزم، والدفع بحل القضايا الساخنة بالطرق السياسية، ودعم مفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام، بما يعيد السلام والهدوء إلى الشرق الأوسط في يوم مبكر، وتقديم المساهمات الواجبة لكلا الجانبين من أجل الاستقرار والازدهار في العالم.
ستعمل الصين والدول العربية بجد ليكونا شريكين في الاصلاح والتنمية والازدهار. ويجب على الجانبين دعم بعضهما البعض لاستكشاف الطرق التنموية تتماشى مع الظروف الوطنية، وفهم خصائص التكامل وتطابق الحاجات، وتسريع تطوير الالتحام استراتيجيات التنمية، وتوسيع تبادل الخبرات في الحكم والادارة، وتحقيق التقدم والتنمية المشتركة. ويجب الاهتمام بالشعب كأولوية، وجعل نتائج التنمية مفيدة لشعوب الجانبين بشكل أكبر.
ستعمل الصين والدول العربية بجد ليكونا شريكين في التعاون العملي والمنفعة المتبادلة المشتركة. ويجب على الجانبين الالتزام بالتشاور والتقاسم والتشارك وتوسيع التعاون في مجالات البنية التحتية والأقمار الاصطناعية والفضاء والطاقة وغيرها، والتنفيذ الجيد للمشاريع الحيوية مثل الموانئ والمناطق الصناعية وغيرها. كما ترحب الصين بمزيد من الدول العربية للتشاور مع الصين لتوقيع مذكرة تفاهم في شأن التشارك في بناء "الحزام والطريق"، بما يرفع مستوى التعاون العملي وجودته.
ستسعى الصين والدول العربية لان تكونا شريكين للتواصل وتبادل المنفعة بين الحضارات. وستوسع الصين والدول العربية التبادلات الثقافية، وتعميق التعاون في العلوم والتعليم والصحة والاعلام، بناء المزيد من الجسور لتعزيز التفاهم المتبادل بين الجانبين، وتعزيز الصداقة بين الشعبين وتشجيع التنمية والتقدم الحضاري البشري بشكل مشترك.
وخلص وانغ يي مقاله قائلا:" المخطط الجديد يحمل آمالًا جديدة، ونقطة انطلاق جديدة تختمر آمالا جديدة. وأن سفينة التعاون والصداقة الصينية ـ العربية سترفع شراعها وتبحر نحو مستقبل أفضل."