قال مؤرخ مشهور في جامعة ييل إن النزاع بين الولايات المتحدة والصين ليس حتميا.
وفي وقت تصعد فيه واشنطن من سياساتها المثيرة للجدل ضد بكين، أكد باول كينيدي، مؤلف كتاب "صعود وأفول القوى الكبرى" عام 1987، أهمية وقيمة التحلي بالصبر والتفاهم المتبادل من أجل علاقات ثنائية أكثر نفعا.
لا توجد عصا سحرية منفردة
وتساءل كينيدي، البروفيسور البالغ من العمر 72 عاما، خلال مقابلة مع ((شينخوا)) "هل يمكننا تجنب فخ ثوسيديديس؟".
والمقصود بفخ ثوسيديديس هو عبارة أوجدها البروفيسور بجامعة هارفارد، غراهام أليسون، وتشير إلى فكرة أنه عندما تتحدى قوة ناشئة قوة قائمة أصلا ، فالنزاع محتمل جدا.
ومع صعود الصين كقوة رئيسية مؤثرة بالعالم، تتعزز فرضية نزاع لا يمكن تجنبه بين واشنطن وبكين.
ولكن بالنسبة للبروفيسور كينيدي، البريطاني خريج أكسفورد، فإن مثل هذا النزاع ليس حتميا، ويمكن أن يكون الاعتراف بهذا الفخ الخطوة الأولى وخطوة هامة في تفادي النزاع .
وقال هذا البروفيسور "إذا كان لديك قيادة في كلا الجانبين تعترف بأن المسألة الوحيدة الأهم في الشئون المتعلقة بالقوى الكبرى بالعالم هي تفادي مواجهة خطيرة بين الصين والولايات المتحدة، فعندها يمكن القول: نعم، يمكننا تجنب الفخ."
وأضاف قائلا "على الأقل لدينا جانب واحد يفهم فرضية أليسون (فخ ثوسيديديس)"، مشيرا بذلك إلى حديث أدلى به الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل 3 سنوات.
كان الرئيس شي قد أشار خلال زيارة له للولايات المتحدة في عام 2015 إلى أنه يتعين على الصين والولايات المتحدة الحفاظ على علاقاتهما بعيدا عن السقوط في الفخ.
وأوضح شي أيضا ضرورة أن يوسع الجانبان التعاون ومعالجة الخلافات والسيطرة عليها، من أجل المزيد من خدمة مصالح شعبي البلدين، والعالم أجمع .
في الوقت نفسه، حذر هذا البروفيسور في جامعة ييل، من إنه من الصعب فعلا "سياسيا ومشاعريا وغريزيا "، جعل العلاقات بين قوى كبرى، تمضي بسلاسة .
في الحقيقة، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحت شعارها "أمريكا أولا "، قد وضعت فعلا خططا وقوانين عدائية خلال الأشهر الماضية ضد الصين، تمتد من الرسوم الجمركية المثيرة للانتقادات الواسعة، إلى توقيع مشروع مُدان هو "مشروع قانون السفر إلى تايوان"، إضافة إلي الاستفزازات من البوارج الحربية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي.
وقال كينيدي، إن الرسوم الجمركية ذات أثر سلبي معاكس على الاقتصاد الأمريكي ، وإن وجهة النظر الساذجة المتمثلة بإما رابح أو خاسر، مرفوضة من "كل اقتصادي معروف".
واقترح هذا المؤرخ المعروف "دعونا نتمسك بسياسة الصبر والتفاهم المتبادل."
وعلى ضوء معرفة كم هي "واسعة ومعقدة" العلاقات الأمريكية - الصينية، قال كينيدي "لا توجد عصا ساحر مفردة هامة" يمكنها أن تحول فجأة العلاقات الثنائية.
وإذا كانت كعكة العالم بأجمعه أكبر، عندها "تنخفض احتمالية التصادم الهيكلي"، حسب رأيه.
المبالغة في التهديد الصيني
وفي معرض إشارته إلى ما يثار في الغرب مؤخرا حول ما يسمى بالتهديد الصيني، قال البروفيسور إن هذا يمكن أن يكون تصويرا "ملونا كثيرا"، غير ناجح في فهم اهتمامات الصين وقلقها.
وأوضح "يمكننا إنتاج كافة أنواع المعطيات التي تظهر أن الصين على ارتفاع 50 قدما، ويمكننا أيضا إنتاج معطيات كثيرة أخرى تظهر أن الصين على ارتفاع 4 أقدام. ولذلك، ينبغي الحذر واليقظة تجاه أي الحقائق هي الأدق ."
وأضاف "كل ما يقال عن التهديد الصيني مبالغ فيه تماما."
في الوقت نفسه، أشار البروفيسور أيضا إلى أن الصين ظلت باستمرار تأخذ الحصة الأكبر من الإنتاج العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، ومن الطبيعي أن الأمريكان سيراوحهم القلق من صعود الصين، ومن التراجع النسبي للولايات المتحدة.
وأكد هذا البروفيسور أن غياب التفاهم يمكن أن يقود إلى انعدام الثقة.
وقال "إذا كانت الصين تواجه مشكلة عدم فهم شيء ما بالولايات المتحدة حاليا، فيمكنني القول بصراحة إن الأمريكيين، وحتى الأذكياء منهم ، لديهم أيضا مشكلة فهم ومحاولة القياس الحقيقي لحجم التحدي للتنافسية الأمريكية ."
العيش في أوقات مدمرة
في الفصل الأخير من كتابه المذكور أعلاه والمنشور عام 1987، توقع كينيدي تراجعا نسبيا محتملا لقوة الولايات المتحدة في الشئون الدولية، معتبرا ذلك تحديا أمام القيادة الأمريكية لأن تعالج بصورة "ذكية هذا التراجع النسبي."
وتعليقا على "السياسات الفوضوية والمشاغبة والمرتبكة" الحالية لإدارة ترامب، قال كينيدي إنها قضية "سوء إدارة خطير وفشل في فهم العالم كما هو."
وأضاف "نحن نعيش في أوقات مدمرة."
في الوقت نفسه، أشار كينيدي إلى أن سياسات رئاسة ترامب، المتميزة "بالتسرع وغياب الموهبة" ربما لم تلحق "حتى الآن" ذلك الأذى البعيد المدى أو الدائمي بمكانة الولايات المتحدة في العالم.
ومضى يقول إنه "إذا كان هناك المزيد من القرارات المتهورة والعكسية النتائج، من البيت الأبيض ، فعندها يمكن أن تلحق الدمار بالتنافسية الأمريكية ، وبالنسيج الاجتماعي الداخلي وتناغمه ، بما يؤدي إلى إضعاف مكانة البلاد ."
وأضاف أنه بالمستقبل، قد تفقد الولايات المتحدة لقبها باعتبارها الأولى بالعالم، ولكن دون أن تفقد مكانتها كقوة عظمى، لأنها "قوية جدا ومتكيفة تماما."
ومع مرور 31 سنة على صدور كتابه، ما زال كينيدي يرى أن الأساس الاقتصادي للقوة العظمى هو من يحدد ويؤثر على مكانتها النسبية، وهي فكرة رئيسية في كتابه المذكور أعلاه .
وأوضح قائلا "حسب وجهة نظري المتواضعة، لا شيء في هذا النقاش الموسع ، يحتاج لأن يتغير."